تطور فن المقال وخصائصه
تعريف المقال : المقال قطعة نثرية محدودة الطول تعالج موضوعا واحدا ، وتلم
بالجوانب العامة له بطريقة سهلة وسريعة. وموضوع المقال يتسع لكل شئ في
الوجود من تعبير عن عاطفة أو رغبة أو رحمة أومعرفة أو فكرة ،ولكنه ليس
حشدا للمعلومات ، وليس كل هدفه أن ينقل المعرفة وإنما يراعى فيه عنصر
التشويق ولا يتم ذلك حتى يعطي من شخصية الكاتب بمقدار ما يعطي عن الموضوع
ذاته .تطور فن المقال في الأدب العربي جذور فن المقال في الأدب العربي
القديم:عرف الأدب العربي القديم فصولا من الكتابة النثرية شبيهة بفن
المقال الحديث ، تشترك معه في معالجة موضوع واحد غالبا و في الاعتماد على
أساليب الإقناع المختلفة .غير أنها تختلف عنه في الطول وانعدام الترابط
المنطقي فضلا عن الاستطراد .وقد ظهرت هذه الفصول النثرية لدى عبد الحميد
الكاتب في رسائله ,وابن المقفع في كتابيه: ( الأدب الصغير) و( الأدب
الكبير) ثم الجاحظ في كتابه: ( البيان والتبيين) وأبي حيان التوحيدي في(
الإمتاع والمؤانسه) لكن هذه الفصول لم تستوف شروط المقال الحديث في منهجها
وأسلوبها , ومنذ القرن الرابع الهجري خطا الـــنثر العربي خطوة ذميمة
باتجاه التكلف والإسراف في الصنعة البديعة واستعمال غريب اللفظ، كمايتجلى
ذلك في مقامات الهمذاني والحريري مما يبعده في نظر النقد الحديث عما
يقتضيه أسلوب المقالة الحديثة من تدفق وحرية وانطلاق ولذلك فإن النشأة
المتكاملة لفن المقال كانت من فتوح الأدب الغـربي .نشأ المقال في الأدب
العربي الحديث :لقد نشأ فن المقال في الأدب العربي الحديث بتأثير الآداب
الغريبة ومقترنا بظهور الصحافة وذلك منذ بداية الثلث الثاني من القرن
التاسع عشر ومع أوائل الصحف العربية ظهورا ( الوقائع المصرية1828 , حدائق
الأخبار 1858, الأهرام 1875 …) . وقد مرفي تطوره حديثا بثلاث مراحل
:المرحلة الأولى : وتمتد منذ أول النشأة إلى نهاية القرن التاسع عشر و
مثلها جيل الصحافة الأول الذي تزعمــه الكاتب المصلـح ( رافع رفاعه
الطهطاوي 1801-1873 و تميز المقال في هذه المرحلة ب : اقتصار ه غالبا
علىموضوعات السياسة والتعليم و اعتماد أساليب الصغة البديعية الموروثة من
عصر الانحطاط . وكان الطهطاوي من الكتاب الأوائل الذين حاولوا تحرير
المقال من تلك الأساليب الموروثة كما يتجلى ذلك في أحد نماذجه حيث يقول:
كان الذين عاشوا زمن الحجاج إذا أصبحوا يتساءلون من قتل البارحة من صلب من
جلد ؟ … وكان الوليد صاحب ضياع ومصانع فكان الناس في زمنه يتساءلون عن
الدنيــا والضياع والمصانع , ولما ولي عمر بن عبد العزيز كان الناس
يتساءلون : كم تحفظ من القرآن ومتى تختم وكم تصوم من الشهر … ))المرحلة
الثانية : وتمتد من نهاية القرن التاسع عشر إلى بداية الحرب العالميــة
الأولى و مثلها جيل الصحافة المتأثر بحركة الإصلاح التي قادها جمال الدين
الأفغاني و برز فـي هذه المرحلة من الكتاب عبد الرحمن الكواكبي , عبد الله
النديم , أديب إسحاق، محمد عبده الـذي يقول في إحدى مقالاته بعنوان الشرف:
(( الشرف بهاء للشخص يحوم عليه بالأنظار ويوجه إليـه الخواطر و الأفكار …
ومشرق ذلك البهاء عمل يأتيه صاحبه يكون له اثر في أمته أو بني ملتـه أو في
النوع الإنساني عامة كإنقاذ من تهلكة أو كشف لجهالة أو تنبيــه لطلب أو حق
سلب))وعموما فقد تطور المقال في هذه المرحلة نحو التخلص نسبيا من قيود
السجع و التكلف، وأخذ يقترب أكثر من عامة الناس تأثرا بدعوة جمال الدين
الأفغاني ومحمد عبده الاصلاحية ، كما تنوع موضوعه ليشمل الإصلاح الديني ،
التربية ، التعلــيم، السيـاسة ، الأدب و الفـلسفة...المرحة الثالثة: تبدأ
هذه المرحلة من الحرب العالمية الأولى وتستمر في العقود التالية من القرن
العشرين و مثلها الأدباء الذين أسسوا حركـة التجديـد من أمثال : طه حسين ،
العقاد المازني ، الرافعي ، نعيمة …ا متازت المقالة في هذه المرحلة
بالتكامل في خصائصه الفنــية و الموضوعية والتي تتجلى في:ـ الوضوح و
العناية بالفكرة ـ العبارة المرسلة ـ اللغة المألوفة ـ البناء المنطقي
المحكم ـ التركيز و السرعة ـ الاتجاه إلى الثقافة العامة و تثقيف أذواق
الجمهور ـ تـنوع المـوضوع ليشمل جميع جوانب المعرفة الإنسانية من أدب و
نقد وعلم وجتماع وتاريخ و لقد أعيد جمع عيون ما كتبه الأدباء البارزين من
مقالات في كتب مستقلة (كحديث الأربعاء) لطـه حسيــن و( حصاد الهشيم)
للمازني و( ساعات بين الكتب) (يسألونك) للعقاد (وحي القلم) للرافعي (وحي
الرسالة) لأحمد حسن الزيات و(عيون البصائر) لمحمد البشير الإبراهيمي.
خصائص فن المقال الحديث: تلتزم المقالة الحديثة خطة منهجية تتألف من
:مقدمة: تتضمن طرح الموضوع ووضع القارئ في أجوائه، وعرض : يتناول تحليل
عناصر الموضوع مستعينا بالأسلوب الملائم والحجج والأمثلة المناسبة ثم
خاتمة : تختلف باختلاف موضوع المقال ومادته فقد تتضمن رأيا خاصا أو تقدم
حلا أو تعيد تلخيص فكرة المقال . تنقسم المقالة من حيث الموضوع إلى مقالة
سياسية واجتماعية وأدبيـة وعــلمية. تنقسم أساليب المقالة إلى نوعين :
أسلوب علمي يناسب بحث قضايا العلم والاقتصاد والصناعة …ويتميز ب: سهولة
اللفظ وواستعمال المصطلح العلمي ،واعتماد أساليب الإقناع المختلفة فضلا عن
الأسلوب المباشر التقريري والتـــزام الموضوعية العلميــة .وأسلوب أدبي
يعالج القضايا الاجتماعية والأدبية والسياسية ويعتمد على انتقاء اللفظ
والعبارة ، ابراز العاطفة الذاتية ، التنويع في الأساليب بين الخبر
والإنشاء واستعمال الصور البيانية والمحسنات البديعية .