مفهوم الملكية الفكرية
مقدمة
تطور نطاق المؤلفات مع تطور مظاهر العقل والفكر وكيفية نشرها وتوزيعها علي الغير من الناس فدخل فيها برامج الحاسب الآلي وجانب من التصميمات والرسوم الصناعية التي قد تتضمن في طياتها جانبا من الإبداع يتطلب نوعا من الحماية بحسبأنها حقا للمؤلف. فحق المؤلف يحمي المؤلف الأصلي ضد أعمال النسخ وإعادة الطبع وأعمال التقليد غير المشروعة والتي انتشرت وتطورت وسائلها وطرق نسخها وبيعها أو عرضها ونشرها علي الجهور وتشمل حماية حق المؤلف وترتبط به حماية الحقوق المجاورة له مثل حقوق المؤدين ومنتجي برامج الجرامافونات والمنظمات الإذاعية والبث.
فحق المؤلف مصطلح يصف الحقوق الممنوحة للمبدعين في مصنفاتهم الأدبية والعلمية والفنية. ويشمل حق المؤلف – وهو ما يمثل موضوعه – كل المصنفات الأدبية والعلمية، مثل الروايات وقصائد الشعر والمسرحيات والمصنفات المرجعية والصحف وبرامج الحاسب الآلي وقواعد البيانات والأفلام والقطع الموسيقية وتصميم الرقصات، والمصنفات الفنية، مثل اللوحات الزيتية والرسوم الفنية والصور المتحركة (كالأفلام السينمائية الصامتة والناطقة بالصوت والعروض التليفزيونية أو الأفلام التسجيلية) وبرامج الحاسب الآلي. وكثير من التشريعات الداخلية تحمي أيضا الأعمال الفنية التطبيقية كفن المجوهرات وأوراق الحوائط والأثاث وخلافه.
غير أن المصنف قد يكون هو المصنف الأصلي وهو مت لك يسبق إليه أحد وقد يكون مصنفا مشتقا عن غيره. وبعبارة أخرى يمكن التمييز بين الابتكار المطلق والابتكار النسبي. وقد يكون ذلك فيما يتعلق بالمصنفات الأدبية، إما بإظهار المصنف استبق كما هو مع الإضافة إليه من شرح أو تعليق ازو تعريف أو تنقيح أو عن طريق الاقتباس من المصنف الأصلي عن طريق التلخيص أو التحوير أو عن طريق إظهار المصنف الأصلي كما هو ولكن في غير لغته الأصلية أي مترجما ومع ذلك في بعض الحالات تدق التفرقة بين كل كم المصنف الأصلي والمصنف المشتق L’oeuvre composite. ومن المصنفات ما لا تشملها الحماية مثال ذلك المجموعات التي تشتمل علي عدة مصنفات وذلك مع عدم الإخلال بحقوق مؤلف كل صنف علي حدة أو تلك التي تتضمن أخبار الجرائد articles de press أو مجموعات المصنفات التي آلت إلى الدومين العام أو مجموعات الوثائق الرسمية.
وقد يقوم المؤلف بأعداد مصنفه منفردا، وقد يشترك مع آخرين في أعداده، وهنا تبرز فكرة المصنف المشترك L ’oeuvre de collaboration الذي يقوم علي أساس وجود فكرة مشتركة تجمع عمل المؤلفين، والي جانب هذا يوجد المصنف المشتق L’oevvre composite والذي يقوم – كما سلف البيان – علي أساس مزج مصنف سابق في مصنف جديد دون مساهمة مؤلف المصنف الأول. والي جانب هذين النوعين يوجد نوع ثالث من المصنفات لا يمكن أن يندرج في إطار المصنفات المشتركة ولا في إطار المصنفات المشتقة، وهذا النوع هو المصنفات الجماعية. Lesoeuvres collectives إذ أنها تقوم علي مساهمة مجموعة من المؤلفين في عمل المصنف، ولكنهم لا يخضعون لفكرة مشتركة بحكم عملهم كما هو الحال في المصنفات المشتركة، ولا يدمجون مصنفا سابقا في إطار مصنف جديد كما هو الحال في المصنف المشتق، وإنما يقدمون مصنفات لها طابع مستقل تظهر لنا مثلا في صورة دوائر المعارف والمعاجم. ويقوم العمل في المصنف الجماعي بناء علي مبادرة شخص طبيعي أو اعتباري حيث يشرف علي المصنف وينشر تحت اسمه.
وحق المؤلف يمثل عنصرا أساسيا في عملية التقدم الإنساني في صوره المختلفة. وحمايته ليس لها معني ما لم يتحقق للمؤلف منافع من عمله أو مصنفه وكذلك ما لم يتحقق استفادة للجمهور بتلك المؤلفات. ولا تتحقق تلك المنافع إلا بتوافر وسائل النشر والتوزيع ووجود الحافز لدي المؤلفين مقابل أعمالهم. لذلك فان المؤلف قد يجري تصرفات قانونية إرادية قد يكون محلها كل أو بعض الحقوق التي يتكون منها حقوقه الاستئثارية exclustive rights or any subdivision of those rights ، كما قد يخضع حق المؤلف لتصرفات قانونية إجبارية أو قصرية تفرض عليه مثل ضرورة أجراء رخص للغير بغير أرادته أو يخضع حقه الاستئثاري لاستثناءات تقرر بمقتضى القانون لصالح الغير تحقيقا للمصلحة العامة.
وتنقسم حقوق المؤلف التي هي محل للحماية المدنية (مع الأخذ في الاعتبار الطبيعة الزوجية لحق المؤلف) إلى حقوق معنوية أو أدبية من ناحية وحقوق مالية من ناحية ثانية.
وعلي ذلك يتمتع المؤلف بنوعين من الحقوق ولكل من هذين النوعين قواعده التي تختلف عن الآخر وهما:
1- الحقوق المعنوية أو الشخصية:
وهي الحقوق اللصيقة بشخصية المؤلف ولهذه الحقوق الأولوية والأسبقية عن الحقوق المالية المقررة للمؤلف، لأنها ليست فقط ما يعني به المشروع في المقام الأول، ولكن لأنها تتمتع بمدي أوسع عن الحقوق المالية من حيث تمتع المؤلف بها وما تتصف به من خصائص. فهي حقوق دائمة، وغير قابلة للتنازل عنها، وغير قابلة للسقوط بالتقادم.
وتتحصل الحقوق المعنوية للمؤلف، التي تعتبر جوهر حق المؤلف، فيما يلي:
1- حق في الإبداع authorship of work وهو يتمثل في تقرير نشر المصنف وإذاعته وطريقة هذا النشر وتحديد شروطه ، فالمؤلف الحق في أبوة المصنف أو نسبته إليه وما يتبع ذلك من حقه في متع أي حذف أو تعد أو تغيير في المصنف وحق المؤلف في أن يضع اسمه علي المصنف والمحافظة عليه والمحافظة علي كيان المصنف. والحق في الدفاع عن مؤلفه عند محاولة تشويهه أو تحريفه من الناشر أو غيره.
2- الحق في سحب المصنف من التداول وتعديله متي كان لذلك مبررا قوي. فللمؤلف وحده إدخال ما يري من التعديل أو التحرير علي مصنفه. وله وحده الحق في ترجمته إلى لغة أخرى ولا يجوز لغيره أن يباشر شيئا من ذلك إلا بأذن كتابي منه أو ممن يخلفه. ويتم تداول المصنف بعنوأنه الأصلي أو ترجمته المطابقة له " ولا يجوز تعديل هذا العنوان أو تغييره إلا بموافقة كتابية من المؤلف أو ممن يخلفه.
ويلاحظ أن تلك الحقوق المعنوية مستقلة عن الحقوق الاقتصادية أو المالية للمؤلف ويظل يتمتع بها حتى ولو تنازل أو حول حقوقه المالية للغير.
2 – الحقوق المالية:
فهي لا تترتب إلا علي الحقوق الأولى والعكس غير صحيح بحيث قد يكون للمؤلف حقوقه المعنوية دون الحقوق المالية متي كان قد تصرف فيها وانتقلت إلى الغير.
وتتمثل تلك الحقوق فيما يلي: حق المؤلف في استغلال مصنفاته علي أية صورة من صور الاستغلال ويتم هذا الاستغلال عن طريق نقل المصنف إلى الجمهور بطريق مباشر أو غير مباشر. فالنقل المباشر للمصنف يكون بعرضه علي الجمهور عرضا مباشرا من قبل المؤلف أو الغير ممن يكون قد تلقي هذا الحق من المؤلف. ويسمي ذلك بحق الأداء العلني. أما النقل غير المباشر فيكون عن طريق نسخ المصنف وتقديمه للجمهور بواسطة وسيلة وسيطة من وسائل التقديم والنشر علي الجمهور بطريقة غير مباشرة كالاسطوانات والبث التليفزيوني أو الاتصال السلكي أو البث عن طريق الأقمار الصناعية فاستغلال المصنف ماليا من حق المؤلف وحده ولا يجوز لغيره مباشرة هذا الحق دون آذن سابق منه أو ممن يخلفه. وللمؤلف وحده أن ينتقل إلى الغير الحق في مباشرة حقوق الاستغلال المقررة له كلها أو بعضها وان يحدد في هذه الحالة مدة استغلال الغير لما تلقاه من هذه الحقوق.
وهذا الاستغلال ينصرف إلى ثلاثة حقوق مالية (أولها) الحق في إعادة إنتاج المؤلف. droit de representation (وثانيها): حق التقديم أو البث لأي أداء للعمل جهرا للجمهور سواء بطرية مباشرة أو غير مباشرة droit de erproduction والقيام بالتصوير المتحرك للعمل أو التسجيل الصوتي له. فمن غير المشروع للغير القيام بأي من تلك الأعمال بدون ترخيص من المؤلف وألا كان منتهكا لحقوق هذا الأخير. (واخيرا)، الحق في التتبع droit de suite وهو حق المؤلف ولخلفه من بعده خلال مدة معينة من وفاة المؤلف في اقتضاء بنسبة من ثمن المصنف الفني المدفوع في حالة بيعه بيعا عاما أو بواسطة تاجر إذا ما زادت قيمته بعد ذلك. ويضاف إلى ما تقدم حق المؤلف (أو خلفه) في ترجمة المصنف أو نقل هذا الحق إلى الغير.
وإذا كانت تلك هي الحقوق التي يتمتع بها المؤلف فإن كلا من نوعي الحقوق يخضع لقواعد متميزة ومختلفة عن الآخر.
فالحقوق المعنوية تتعلق بشخص المؤلف ولصيقة به وهي غير قابلة للتصرف فيها بطبيعتها، فشأنها في ذلك شأن الحقوق الشخصية البحتة التي تتصل بشخص الإنسان ويترتب علي ذلك بطلان كل تصرف يتم بشأنها وهي تتميز بأنها دائمة، وغير قابلة للتنازل عنها، (وتكون عقود التصرف فيها أو التنازل عنها باطلة (المادة 145. ق 82 / 2002)، ولا تكون محلا للكسب بالتقادم أو الحجز عليها، ومع ذلك فهي ليست حقا تقديريا مطلقا وإنما هي تخضع لقواعد عدم إساءة الاستعمال والتعسف في استخدام الحق بينما الحق المالي، الذي يمثل جانب الملكية المادية للمؤلف فترد عليه عقود استغلاله التي يبرمها المؤلف. فالمؤلف وحده له الحق في استغلاله ماليا، ولا يجوز لغيره مباشرة هذا الحق إلا بعد الحصول علي إذن كتابي من صاحب حق الاستغلال المالي للمصنف الأصلي أو خلفائه ويتضمن الإذن طريقة ونوع وفترة الاستغلال ويلاحظ أن المادة الثامنة من القانون المصري تنص علي انتهاء الحماية المقررة للمؤلف، ولمن ترجم مصنفه إلى لغة أجنبية بالنسبة لحقهما في ترجمة المصنف إلى اللغة العربية، إذا مضت خمس سنوات من تاريخ أول نشر للمصنف الأصلي أو المترجم دون أن يباشر المؤلف أو المترجم أنفسهما أو بواسطة غيرهما ترجمة المصنف إلى اللغة العربية وذلك تغليبا للمصلحة العامة المصرية علي المصلحة الفردية للمؤلف وحتى يكون ذلك دافعا للمؤلف علي مباشرة تلك الترجمة إلى اللغة العربية.
ويلاحظ أن حماية حق المؤلف مقيدة من حيث الزمان، فتلك الحماية مؤقتة ومحددة المدة. وكذلك مقيدة من حيث النطاق الجغرافي، إذ أنها تنصرف إلي حمايته ضد انتهاكه في نطاق إقليم الدولة التي يتمتع في ظل تشريعها بالحماية أو في نطاق ما تلتزم به دول الاتحاد بموجب اتفاق دولي متعدد الأطراف. ومقيدة كذلك في الاستعمال، وذلك بما قد يقرره المشرع من استثناءات ورخص للغير دون رضاء صاحب حق المؤلف أو تطلب المشرع لإضفاء الحماية أن يتخذ العمل أو المصنف شكلا ماديا معينا.
وفي بعض الحالات قد يجد المؤلف أن حريته مقيدة بضرورة احترام الحقوق الشخصية للغير الذين قد ترد أسماؤهم أو صورهم في مؤلفه وذلك لما يتبناه الدستور من حماية لهذه الحقوق كحق حماية الحياة الخاصة للشخص.
وإذا كان للمؤلف أن يتصرف في حقوقه المالية فإن هذه التصرفات القانونية قد تكون محلا لتنظيم المشرع كلها أو في بعض صورها، وفي حالة وفاة المؤلف هنا تطبق قواعد التوارث أو المواريث وفقا للنظم المالية المطبقة في الدولة.
وتنشأ حماية حقوق المؤلف من وقت إفراغ العمل في صورته الثابتة التامة. فالمؤلف الأصلي المنشئ للعمل يكتسب الحق في الحماية المقررة لحق المؤلف هو ومن له حق مشتق عنه في الحال اعتبارا من هذا الوقت. فالحماية مقررة تلقائيا دون حاجة لاتخاذ إجراءات معينة لتوفير الحماية والحصول عليها، ومع ذلك قد تذهب بعض التشريعات إلي تطلب بعض الإجراءات حتى يضفي القانون حمايته علي المؤلف مثال ذلك تطلب القيام بالتسجيل أو الإيداع. وإذا كان العمل يأخذ في تحضيره فترة ممن الوقت فإن الجزء الذي يتم منه ويأخذ صورته التامة الثابتة هو الذي يحصل علي تلك الحماية من وقت تاريخ هذا الثبات.
ولكن فيما يتعلق بالأعمال المنشاة من أجل التأجير فإن المؤجر (رب العمل) وليس العامل هو الذي يعتبر المؤلف.
وحماية حق المؤلف متاحة لكل الأعمال غير المنشورة والمنشورة بغض النظر عن جنسية أو موطن أو إقامة المؤلف. ومع ذلك فإن عملية نشر المؤلف تمثل فكرة هامة في نطاق قانون حماية المؤلف لعدة أسباب: في الولايات المتحدة الأمريكية تخضع الأعمال المنشورة لنظام الإيداع بمكتبة الكونجرس الأمريكي. ونشر العمل قد يؤثر علي الحدود أو القيود المفروضة علي حق المؤلف فسنة النشر تحدد فترة الحماية المقررة لحق المؤلف بالنسبة للأعمال غير المعلومة وشبه المعلومة.
ويلاحظ أنه لا يوجد حق مؤلف دولي بمعني وجود حق دولي يحمي المؤلف تلقائيا عبر العالم فالحماية ضد الاستخدام غير المشروع في دولة معينة يعتمد ويتوقف أساسا علي القانون الوطني لهذه الدولة. ومع ذلك فكثير من الدول تمنح الحماية للأعمال الأجنبية عند توافر شروط معينة إما وفقا لاتفاق دولي ثنائي أو متعدد الأطراف وقد بسط كثير من تلك الشروط بموجب الاتفاقيات الدولية المعنية بتوفير الحماية لحق المؤلف.
وفي الأصل يتمتع صاحب حق المؤلف بالحماية طوال مدة حياته وتظل الحماية إلي من آل إليهم هذا الحق سواء كان ذلك بسبب الوفاة أو التصرف القانوني الناقل لهم هذا الحق مدة معينة من الزمن تقدر في الغالب بمدة خمسين سنة. ومع ذلك فإن التشريع الأمريكي يجعل تلك المدة سبعين عاما.