عدول عن الخطبة
بما أن الخطبة ليست زواجا، و إنما هي وعد بالزواج فإنه يجوز في رأي أغلب الفقهاء للخاطب أو المخطوبة العدول عن الخطبة، إذ ما لم يوجد العقد فلا إلزام و لا التزام. و لكن من الأخلاق ألا ينقض أحدهما وعده إلا لضرورة أو حاجة شديدة مراعاة لحرمة البيوت و لكرامة الفتاة.
و من المستحسن شرعا وعرفا التعجيل في العدول إذا بدا سبب واضح يقتضي ذلك عملا لقوله تعالى : "و أوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا".فمن وعد عليه الوفاء بوعده إلا إذا وجد عارض قوي.
و قال صلى الله عليه و سلم : "إضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة : أصدقوا إذا حدثتم، و أوفوا إذا وعدتم، و أدّوا إذا إئتمنتم، و إحفظوا فروجكم، و غضوا أبصاركم، و كفوا أيديكم".
و بالرجوع إلى قانون الأسرة الجزائري نجده يجيز العدول عن الخطبة بنصه في المادة الخامسة على أن : "الخطبة وعد بالزواج و لكل من الطرفين الدول عنها ". فكلا الطرفين أي الخاطب والمخطوبة لهما الحق في العدول عن الخطبة، و بذلك فالمشرع أخذ بالمذهب المالكي.
و إذا ما عدنا إلى نص المشروع أو التعديل المقترح نجده ينص في المادة الخامسة على أنه : "يجوز للطرفين العدول عن الخطبة".
آثار العدول عن الخطبة :
لا يترتب على العدول عن الخطبة أي أثر ما دام لم يحصل عقد، لكن قد يكون الخاطب قد دفع المهر كله أو بعضه أو تبادلا الهدايا، فما مصير تلك الأموال ؟ كذلك قد ينجم عن العدول ضرر للطرف المعدول عنه فهل يستحق التعويض أولا ؟
أ- بالنسبة للصداق :
المهر أو الصداق هو ركن من أركان عقد الزواج طبقا لنص المادة 9 من قانون الأسرة و كذا المادة 15.
م9 : "يتم عقد الزواج، برضا الزوجين و بولي الزوجة و شاهدين و صداق".
م15 : "يجب تحديد الصداق في العقد سواء أكان معجلا أو مؤجلا".
و لم يحدد المشرع وقت دفع الصداق فقد يكون أثناء فترة الخطوبة أي قبل إبرام العقد أو في مجلس العقد أو يكون مؤجلا.
و ما يهمنا هو إذا ما قبضت المخطوبة المهر المتفق عليه أثناء فترة الخطوبة فإنها إذا ما تم العدول عن الخطبة سواء من طرفها أو من طرف الخاطب قبل إبرام العقد، ملزمة برده للخاطب لأنه ليس لها الحق في أخذه، بل أن الشرع و القانون لا يجيزان لها إلا نصف الصداق إذا ما تم العقد و افترقا قبل الدخول.
و في حالة الهلاك أو الاستهلاك فإن المهر يرجع بقيمته إن كان قيميا و بمثله إن كان مثليا، أيا كان سبب العدول، و هذا متفق عليه فقها.
و من خلال الواقع العملي نجد أن ذلك صعب التطبيق لأنه من عاداتنا أن المخطوبة عندما تتسلم المهر فإنها تتصرف فيه لتحضير جهازها و ما يلزم من فراش و لباس و حلي و قد يتم العدول من أحدهما، فيستحيل عليها إرجاعه. فما العمل ؟
المشرع الجزائري لم يتكلم على هذه المسألة بل أنه لم يتطرق إلى الصداق أصلا عندما نص على جواز العدول و كان الأولى به أن يضع حلا كما وضعه بالنسبة للهدايا، و هذا ما دعى القضاة إلى محاولة إيجاد حلول فذهب البعض منهم إلى إلزام المخطوبة بإرجاع قيمة الصداق و البعض الأخر ذهب إلى إلزامها بتسليم الأشياء التي إشترتها إلى الخاطب مقابل مبلغ المهر الذي تصرفت فيه.
و في نظرنا فالحل الذي يبدو معقولا هو تحميل تبعات المهر لمن كان عادلا، فإن كان الخاطب هو الذي عدل عن الخطبة ألزمه تسلم الأشياء التي حوّل إليها مبلغ الصداق، ذلك أن المخطوبة لا مبرر لإجبارها على تملك هذه الأشياء التي كان الخاطب بخطبته لها دافعا في تملكها إذ لولا تلك الخطبة و الوعد و الدفع ما تصرفت هذه التصرفات، و على العكس، إذا كانت هي التي عدلت عن الخطبة فعليها أن ترجع المهر للخاطب كما دفعه لها أو مثله إن كان مثليا، و لا يرغم على تقبل الفراش أو اللباس أو الحلي الذي إشترته المخطوبة و المصاريف التي صرفتها عليه لأنه قد يجد من لا ترغب فيه، و يضطر إلى بيعه و إنقاص قيمته، مما يجعله يجمع بين ضررين، ضرر العدول عنه و ضرر إنقاص قيمة المهر.
و مجمل القول أن المهر يعد من متطلبات الزواج لا من متطلبات الخطبة فعلى الخطيبة إذا فسخت الخطبة رده للخاطب.
ب- بالنسبة للهدايا :
لقد اختلف الفقهاء في حكم الهدايا، هل ترد أو لا ترد ؟
الحنفية : قالوا أنه يمكن إسترداد الهدايا متى لم تستهلك أو تتصل بزيادة لا يمكن فصلها عنها وهذا قياسا على الهبة، إذ يجوز للواهب الرجوع في هبته ما لم يوجد مانع بالعين الموهوبة يحول دون ذلك. مثلا : لباس أخيط أو بلى أو ساعة تكسرت … فلا تعاد.
الشافعية و الحنابلة : قالوا أنه يجوز رد الهدايا التي يتقدم بها الخاطب إلى مخطوبته ذلك لأن الباعث على هذه الهدايا هو إتمام الزواج دون شك و هو أمر مشروع لذا عدت من ضمن هبات الثواب التي يحق لصاحبها طلب ردها متى لم يتحقق ذلك المقابل، هذا ما لم تتغير تلك الهدايا بالزيادة أو النقصان أو الاستهلاك.
المالكية : فصلوا بين ما إذا كان الـعدول من جانب الخاطب أو من جانب المخطوبة.
فإذا عدل الخاطب فلا حق له في إسترداد ما أهداه إلى مخطوبته و لو لم يستهلك و يستنفذ. و إن كان العدول من جانب المخطوبة فإن الخاطب يسترد ما أهداه إليها إن كانت قائمة بعينها أي الهدايا، و إن هلكت فله مثلها إن كانت مثلية أو قيمتها إن كانت عينية.
في قانون الأسرة : لقد نص المشرع الجزائري في المادة 5 عن الهدايا و كيفية إستردادها و قد أعطاها عناية و تفصيلا، ذلك لأنه من النفقات التي تنفق أثناء الخطبة و بعدها و قبل العقد ما يكون هاما، لأن الخاطب خاصة في مجتمعنا الجزائري كثيرا ما تكلفه الخطبة آلاف الدنانير إلى جانب الهدايا التي يقدمها لمخطوبته في المناسبات و الأعياد، و أغلبها من الذهب و اللباس الفاخر، لذا نصت المادة 5 على أنه:
"لا يسترد الخاطب شيئا مما أهداه إن كان العدول منه، و إن كان العدول من المخطوبة فعليها رد ما لم يستهلك".
فالمشرع في هذه الفقرة تكلم عن الهدايا التي يقدمها الخاطب للمخطوبة و لم يتكلم عن الهدايا التي تقدمها المخطوبة للخاطب لأنه قد تكون المخطوبة موظفة أو ميسورة الحال فتقدم هدايا ثمينة للخاطب. فهل تفقد حقها في إسترجاع هذه الهدايا إذا عدل الخاطب عن الخطبة، أو هل نطبق حكم الفقرة السابقة عليها أي أن يلزم الخاطب برد الهدايا التي قدمتها له المخطوبة إذا عدل هو عن الخطبة ؟
فحسب نص المادة 5 فالخاطب إذا عدل عن الخطبة فإنه يفقد حقه في إسترجاع الهدايا التي قدمها للمخطوبة. و إذا كان العدول من المخطوبة فإنها ملزمة برد الهدايا التي قدمها لها الخاطب ما لم يستهلك بمعنى أنها تعفى من هذا الالتزام إذا كانت هذه الهدايا قد استهلكت.
و ما يمكننا ملاحظته أن المشرع الجزائري في هذه المسألة لم يأخذ بالمذهب المالكي الذي يغرم العادل عن الخطبة و يلزمه بإرجاع الهدايا إن كانت قائمة بذاتها. أم استهلكت فيرجع قيمتها إن كانت قيمية أو مثلها إن كانت مثلية، و ذلك حتى لا يجمع المعدول عنه بين ألمين، و هذا ما يجري به العمل في المجتمع الجزائري.
بل أن المشرع قد أخذ بالمذهب الحنفي في عدم رد ما أستهلك باعتباره أن ما يتبادله كل من الخاطبين هو من قبل الهبات و الهبة لا يجوز إرجاعها إن هلكت.
و الهدايا التي هي محل النصوص التشريعية هي تلك التي لم يلحق بها عقد فإن عقد على المخطوبة فالغاية المبتغاة من تلك الخطبة و هي الاستمرار على ذلك الموعد حتى الزواج و قد حصل ،و من ثم لا محل للمطالبة بها.
مثلا : لو أهدى الخاطب لمخطوبته أقراطا من ذهب و مأكولات و أقمشة فإنه إن عدل فلا يسترد سوى الأقراط لأن الطعام و الملبوس أستهلك.
و لكن يبدوا لنا منطقيا ربط استرجاع الهدايا بالعدول عن الخطبة و سهلا لكنه في الواقع الجزائري صعب التطبيق، إذ أن العدول عن الخطبة لا يتم بدون سبب إلا نادرا، فغالب ما يقترن العدول بسبب كعدم احتمال أهل الخاطب لشروط أهل الخطيبة من مسكن منفرد و مهر مرتفع أو إطالة الخاطب في مدة الخطوبة لسنوات مما يظطر أهل الخطيبة إلى العدول... أو أن المخطوبة ترفض العيش مع حماتها... و هكذا.
و كان على المشرع تحري سبب العدول وليس النظر إلى من أعلن العدول أولا لأنه أحيانا كثيرة نجد الراغب في العدول يملي شروطا صعبة التحقيق تظطر الطرف الآخر إلى الانسحاب والعدول، و غالبا ما تكون هذه الشروط مفتعلة ليستأثر لنفسه بالهدايا. و حسنا فعل المشرع عندما استعمل لفظتي الخاطب والمخطوبة في المادة5.
و لم يقل الزوج أو الزوجة، ذلك لأنه بعد العقد يصبحان زوج و زوجة و إذ ذاك لا نتكلم عن الهدايا بل على الصداق، و لو طلقت الممنوحة هدايا و صداقا قبل الدخول، فلا كلام عن الهدايا و لو عظمت قيمتها بل لها زيادة على ذلك نصف الصداق إن كان مقدرًا، و سميت بذلك مطلقة لا معدولا عنها و قد قضت المحكمة العليا في قرار لها بأنه : "من المقرر شرعا أنه لا رجوع للهدايا إذا كان فسخ الخطوبة من الخاطب بعدما تحقق أنه أصبح عاجزا جسميا على الزواج على إثر حادث مرور أفقده قدرة ممارسة العلاقات الجنسية.
حيث أن الشريعة الإسلامية قررت بأن الزوجة لها الحق في نصف صداقها إذا طلقت قبل البناء بها و ذلك بدون شروط، كما أنها قررت بأن الزوج الذي قدّم لزوجته شيئا و سماه هدية لا يسوغ له أخذه منها بأي وجه كان إلا إذا أصدر فسخ عقدة نكاحهما كذلك قبل البناء بها فيرد له ما يبقى من تلك الهدية".
بالنسبة لمشروع التعديل : فالمادة 5 المعدلة نصت على أنه : " لا يسترد الخاطب شيئا مما أهداه إن كان العدول منه و عليه رد مالم يستهلك أو قيمته.
و إن كان العدول من المخطوبة فعليها رد مالم يستهلك من هدايا أو قيمته".
فهذا المشروع خصّ الاسترجاع بالهدايا فقط دون أن يتطرق للمهر، و لكنه ذكر الهدايا التي يقدمها الخاطب للمخطوبة و كذا الهدايا التي تقدمها المخطوبة للخاطب و بذلك فهو أكثر توضيحا للأمور.
و عليه فالخاطب إن عدل عن الخطبة فلا يسترد شيئا من الهدايا التي قدمها للمخطوبة و عليه هو برد الهدايا التي قدمتها له المخطوبة ما لم تستهلك أو قيمتها. و إذا عدلت المخطوبة عن الخطبة فعليها رد الهدايا التي قدمها لها الخاطت مالم تستهلك أو قيمتها.
و الاشكال المطروح هو أن أصحاب هذا المشروع لم يبينوا هل المخطوبة عندما تعدل تسترجع الهدايا التي قدمتها هي للخاطب بما أنها تلزم برد الهدايا التي قدمها هو لها؟ أو هل نطبق عليها نفس حكم الخاطب الذي يعدل و بذلك لا تسترد الهدايا التي قدمتها للخاطب إذا عدلت؟
و الاشكال الثاني يكمن عندما أضاف التعديل لفظ "أو قيمتها" فهل يقصد يها قيمة الهدايا التي قدمت أو قيمة الهدايا التي قدمت و استهلكت؟
فالمادة نصت : " ... و عليه رد ما لم يستهلك أو قيمته." و في الفقرة الثانية : " ... فعليها رد ما لم يستهلك من هدايا أو قيمتها." بمعنى هل المادة أعطت للعادل أو العادلة الخيار بين رد الهدية ذاتها و بين رد قيمتها نقدا؟ ما دامت المادة تضمنت حرف التخيير "أو" أو أنه يقصد أن الطرف العادل يلزم برد الهدايا التي لم تستهلك و أما الهدايا التي أستهلكت فيقدم قيمتها نقدا.
و ما يمكننا ملاحظته هو أن المشرع في المادة 5 من القانون الساري فيما يخص رد الهدايا بعد العدول عن الخطبة كان يحذو حذو المذهب الحنفي الذي يقول برد الهدايا ما لم تستهلك أي ربط العدول بالاسترجاع. و نجد أصحاب التعديل في المشروع المقترح أخذوا بالمذهب المالكي الذي يقول أن الطرف المعدول عنه يسترد الهدايا سواء كانت قائمة أم هلكت فإن هلكت أو استهلكت وجب رد قيمتها.
التعويض عن الأضرار :
المشروع و القانون يجيزان لكل من الخطيبين حق العدول عن الخطبة و منه فالعدول ذاته لا يرتب على أي منهما تعويض لكن التعويض يكون نتيجة ما صاحب العدول من أفعال أحدثت أضرار مادية أو معنوية بالمعدول عنه، و هذه الأضرار قد تكون ناتجة عن تصرفات غير أجنبية و قد تكون ناتجة عن تصرفات أجنبية :
أ- الأضرار التي تنتج عن تصرفات أجنبية عن الخطبة. فالمضرور منها يستحق التعويض و منها كأن ينسب لأحد الطرفين إلى الآخر إحدى الأفعال التي تعتبر قذفا أو يفشي سرًا من أسراره و ما إليه.
ب- الأضرار التي تنتج عن تصرفات غير أجنبية عن الخطبة فيوجد خلاف بين الفقهاء حول استحقاقها التعويض ، ويقصد بها تلك الأعمال التي يقوم بها الخاطبان أو أحدهما فيما يدور حول الخطبة أو أعمال تحضيرية لعقد الزواج ككراء الفندق استعدادا لليلة الزفاف، أو تحضير الحلويات أو إعداد بيت الزوجية على الشكل الذي طلبته الخطيبة أو ترك العمل أو الدراسة تلبية لطلب الخاطب.
أولا الضرر المادي : و هو كل ما يصيب الشخص في جسمه أو ماله. و لقد نصت المادة 5 من قانون الأسرة على أنه : "إذ ترتبت عن العدول ضرر مادي أو معنوي لأحد الطرفين جاز الحكم بالتعويض". فيفهم من هذا النص أن القاعدة العامة أن الخطبة ليست عقد ملزما، و لا تتضمن أي التزام، فلا تعدو أن تكون وعدا شفهيا متبادلا بين شخصين من جنسين مختلفين أو بين عائلتين لابرام عقد الزواج مستقبلا. و أنه يجوز لكل واحد من الطرفين العدول عن الخطبة بمحض إرادته بسبب أو بدون سبب و لا يمكن اللجوء إلى القضاء لإجبار من يستعمل حقه في العدول أن لا يتعسف فيه و إلا جاز للطرف الآخر أن يطلب التعويض إذا ما أصابه ضرر نتيجة خطأ صاحب العدول فتقوم المسؤولية. و قد وصفها الفقهاء بأنها تغرير بالطرف الآخر نشأ عنه ضرر ، بمعنى أنه إذا صاحب الوعد بالزواج و العدول عنه فعال مستقلة عنهما استقلالا تاما و ألحقت ضررا ماديا لأحد المتواعدين وجب التعويض باعتبارها أفعالا ضارة. و هذا ما دفع الكثير من رجال القانون إلى تأسيس مبدأ التعويض على نظرية التعسف في استعمال الحق عملا بقوله صلى الله عليه و سلم "لا ضرر و لا ضرار" و عملا بالقاعدة الفقهية : " التغرير يوجب الضمان"
و الإمام مالك و تلاميذه متفقون على أن التسبب في الضرر يوجب التعويض و يعتبرون أن كل وعد كان سببا في تصرف الموعود بما ألحق به الضرر يجب ضمانه يقول الدكتور السنهوري " فإذا انحرف الخطيب و هو يفسخ الخطبة عن السلوك المألوف للشخص العادي في مثل الظروف الخارجية التي أحاطت بالخطيب كان فسخ الخطبة خطأ يوجب المسؤولية التقصرية".
إذن لكي يحصل تعويض لا بد من توافر شرطين و هما:
- ألا يكون لمن عدل مبرر ينزع عن أفعاله صفة السلوك الخاطئ المعتبر أساسا للتعويض. و ذلك كأن يتوفى أحد الخطيبين فيصيرتنفيذ الزواج مستحيلا، و لا دخل لارادة الطرف الباقي على قيد الحياة في عدم تنفيذه، أيضا إكتشاف مانع من موانع الزواج كان مجهولا قبل الخطبة…
- أن تكون للعادل يد في إحداث الضرر الحاصل للمعدول عنه : كالأمر بإجراء تصرف على وجهة معينة و فجأة تنقلب الموازين رأسا على عقب، فأحدث ذلك ضررا ماليا للمتصرف وفق ذلك الرأي، كأن يخبر الخاطب خطيبته بتاريخ الدخول و عليها التخلي عن عملها و بعد إستقالتها بيوم يلغي الموعد و يفسخ الخطبة، فالخاطب هو سبب الضرر، بتصرفه أما إن تخلت هي عن عملها برغبة منها فليس لها التعويض لعدم تسببه هو في هذا الضرر .
ثانيا الضرر المعنوي : هو تلك الآلام التي تمس عاطفة الإنسان عن طريق الطعن في سمعته أو شرفه، فيكون على شكل شعور بالحزن و ضيق الصدر و انعدام الطمأنينة.
و لم يتطرق الفقهاء سابقا للأضرار الأدبية لأنها ظهرت حديثا نتيجة لانحراف الناس في سلوكهم أثناء الخطبة و تأثرهم بالظواهر المادية للمجتمعات الأوروبية.
مثلا : التعرف على الخطيبة الذي أصبح مألوفا تجاوز النطاق التقليدي السليم للنظر إلى المخطوبة، وفاق الحدود حيث صار الانفراد بها و استصحابها للمحلات العامة... و ما ينتج عنه. فهو يلحق بها ضرر لا محالة، فالخاطب هنا ملزم بالتعويض عن الضرر المعنوي في المادة الخامسة، ذلك لأن الخطيبة في مجتمعنا هي التي تتأذى من عدول الخاطب عنها لما يلحقها من أقوال و إشاعات بخلاف الأمر إذا ما عدلت هي عن الخطبة فالخاطب لا يتأذى مثلها.
و أغلب القوانين العربية لم تنص على التعويض عن هذه الأضرار المعنوية و لا المادية.
و ما نلاحظه على المادة 5 أن المشرع الجزائري لم يجعل التعويض واجبا و إنما جعله جائزا لأنه ليس معقول أن كل عدول عن الخطبة يصاحبه ضرر، فالمشرع كقاعدة عامة أباح العدول، فهو حق الطرفين لكنه جعل التعويض عن الضرر الذي ينتج عن استعمال هذا الحق استثناءا و جائزا.
فالمادة 5/ف2 نصت على أنه : "جاز الحكم بالتعويض" فالقانون هنا أعطى للقاضي السلطة التقديرية في تقديم الضرر و تقديم التعويض.
فقد يكون الطرف العادل قد أراد تفادي ضرر أكبر بعدوله فهل هنا يلزم بالتعويض أيضا؟
و ما يمكننا قوله أن المشرع الجزائري عندما نص على التعويض عن الضرر المادي و المعنوي معا فهو حقق نتيجتين هما :
1- أنه ساير العصر و أعطى حكما ظلت الشريعة في عهودها الأولى مستغنية عنه لنزاهة تصرفات الأولين.
2- أنه سد الفراغ الذي كان موجودا في القانون المدني الذي لم ينص على التعويض عن الضرر المعنوي.
كيفية التعويض عن الضرر :
يخضع التعويض عن الضرر للقواعد العامة في القانون المدني، و ذلك بإدخال الظروف المصاحبة للأفعال التي كانت مصدرا للضرر و ثقافة الطرفين و مراكزهم الاجتماعية، و كذلك السن و الوظيفة.
مثلا لو أصاب المعدول عنها ضررا ماديا كفقدها وظيفتها، و ضرر معنويا كأن جرحها في سمعتها و شرفها، فهنا تستحق التعويض عن الضررين.
فالقاضي عليه أن يتبين سبب العدول و الظروف الملابسة لرفع دعوى التعويض حتى يكون اقتناعه باستحقاق المعدول عنه التعويض أو بعدم استحقاقه.
فمثلا الخاطب الذي يؤثث بيته تحضيرا للزواج بما أنه في مرحلة الخطوبة لا يعني أنه لحقته خسارة و ضرر مادي إذا عدلت المخطوبة لأنه كان لا محالة سيؤثث منزله، سواء كان خاطبا أو لا، و سواء كان خاطبا هذه الفتاة أو غيرها فلا يمكنه طلب التعويض.
بالنسبة لمشروع التعديل : المادة الخامسة الفقرة الثانية لم يغير فيها شيئا بل أصبحت الفقرة الثالثة و تنص على أنه : "إذا ترتب عن العدول عن الخطبة ضرر مادي أو معنوي لأحد الطرفين جاز الحكم له بالتعويض". فأصحاب التعديل أضافوا عبارتي : " عن الخطبة " و " لـه " لكن لا ندري إلى ماذا يهدفون من وراء ذلك هل لجعل الفقرة أكثر وضوحا، أو يقصدون شيئا آخر؟
أيضا بقي الإشكال السابق فكان عليهم أن يوضحوا بأن للقاضي السلطة التقديرية لتقرير الضرر و التعويض عنه في ذات الفقرة فتكون على النحو التالي : "إذا ترتب عن العدول عن الخطبة ضرر مادي أو معنوي لأحد الطرفين جاز الحكم له بالتعويض، و للقاضي تقدير حصول الضرر و التعويض".
و بالرجوع إلى القضاء نجد المحكمة العليا في قرار لها تؤكد على حق المتضرر من العدول عن الخطبة في الحصول على تعويض فجاء فيه أنه :
" من المقرر قانونا أن الإقرار القضائي هو اعتراف الشخص بواقعة قانونية مدعى بها عليه أمام القضاء، و هو حجة قاطعة على المقر، و من المقرر أيضا أنه إذا ترتب على العدول على الخطوبة ضرر مادي أو معنوي لأحد الطرفين جاز الحكم بالتعويض.
و من ثَمَ فإن القضاء بما يخالف هذين المبدأ ين يعد خرقا للقانون، و لما كان من الثابت في قضية الحال، أن المجلس القضائي بإلغائه الحكم المستأنف و رفضه الدعوى المتضمنة طلب تعويض من الطاعن على الضرر الذي أصيب به بالرغم من إقرار المطعون ضدها بفسخ الخطوبة أمام القضاء يكونوا قد خالفوا القانون و متى كان ذلك استوجبَ نقض القرار المطعون فيه".
إضافة إلى ما قلناه فإن المادة 5 سواء في القانون الساري به العمل أو في مشروع التعديل تنص على أنه: "... جاز الحكم بالتعويض...".
و نحن نعلم أن القانون المدني و هو يعتبر الشريعة العامة نص في المادة 124 تحت عنوان المسؤولية عن الأعمال الشخصية على أنه : " كل عمل أيا كان، يرتكبه المرء و يسبب ضررا للغير يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض".
فالمادة 5 من قانون الأسرة استعملت لفظ "جاز" و المادة 124 استعملت لفظ "يلزم" و دون أن نتغاضى على أن التعويض يكون نتيجة حتمية على وقوع الضرر فإنه
للقاضي السلطة التقديرية في تقدير وقوع الضرر و في تحديد مبلغ التعويض دون أن تكون له هذه السلطة في ضرورة التعويض أو عدمه. فكان يجب أن يتضمن نص المادة 5 لفظ الإلزام حتى يكون متماشيا مع القانون المدني و ليس متناقضا معه.