الفقه الاسلامي
المبحث الثالث
في من تثبت له الولاية المتعدية:
اتفق أصحاب المذاهب الأربعة على أن هذه الولاية تثبت للعصبة بالنفس من الأقارب. وهم كل قريب رجل يتصل بالمولى عليه اتصالاً لا ينفرد بالتوسط بينهما فيه أنثى. ويشمل ذلك أصوله من الأب والجد أبي الأب وإن علا، وفروعه وهم الأبناء وأبناؤهم وإن نزلوا، وفروع أبويه من الذكور وهم الاخوة سواء كانوا أشقاء أو لأب وأبناؤهم وإن نزلوا، وفروع الأجداد وهم الأعمام وأبناؤهم كذلك.
غير أن الشافعية لم يجعلوا للأبناء وأبنائهم ولاية إلا إذا وجدت صفة أخرى غير البنوة.
كما اتفقوا على أنها تثبت للحاكم أو نائبه إذا لم يوجد ولي من الأقارب، أو حصل عضل منه بالامتناع عن التزويج عند الحاجة.
واختلفوا في ثبوتها للوصي. فمنعها الحنفية والشافعية، وأثبتها المالكية مطلقاً والحنابلة في رواية. كما اختلفوا في ثبوتها لغير العصبة من الأقارب، فأثبتها أبو حنيفة : للأقرباء الورثة من أصحاب الفروض وذوي الأرحام، ولا تنتقل إلى الحاكم مع وجود واحد من هؤلاء.
ذهب الحنفية إلى أن الولاية في الزواج تثبت أولاً للعصبات النسبية بالترتيب الآتي:
فروع الشخص من الذكور كالابن وابن الابن وإن نزل، ثم أصوله. كالأب والجد لأب وإن علا، ثم فروع أبويه من الذكور كالاخوة الأشقاء والاخوة لأب وأبنائهم، ثم فروع الأجداد كذلك كالأعمام لأبوين أو لأب وأبناء الأعمام.
فإذا كان للقاصر عاصب واحد من هؤلاء تثبتت الولاية له، وإن كان له أكثر من عاصب فإن اختلفت جهتهم قدم من كان من فروعه على من كان من أصوله، ثم من كان من أصوله على من كان من فروع الأبوين، ثم من كان من فروع الأبوين على من كان من فروع الأجداد.
فالابن مثلاً يقدم على الأب، والجد على الأخ، والأخ على العم وهكذا.
وإن اتحدت الجهة فإن اختلفت الدرجة قدم الأقرب درجة، فالابن يقدم على ابن الابن، والأب على الجد، والأخ ولو كان لأب على ابن الأخ الشقيق وهكذا.
فإن اجتمع أخوان أحدهما شقيق والآخر لأب قدم الشقيق، وكذلك إذا اجتمع عمان أو ابنا أخوين، وإن اتحدت الجهة والدرجة وقوة القرابة كأخوين شقيقين أو لأب أو عمين شقيقين أو لأب تثبت الولاية لكل منهما كاملة لأنها ثبتت بسبب لا يتجزأ وهو القرابة، فتثبت لكل واحد من الأولياء المتساويين على الكمال كأنه ليس معه غيره.
فإذا زوج أحدهما القاصر صح ذلك، وإن زوجه كل منهما بدون علم الآخر صح السابق منهما إن علم، فإن لم يعلم السابق وكان المزوج ذكراً صح العقدان لعدم المانع، وإن كان أنثى أبطل العقدان لعدم المرجح لأحدهما على الآخر وهي لا يصح زواجها لأكثر من واحد في وقت واحد.
فإذا لم يوجد ولي عاصب هل تنتقل الولاية إلى الأقارب الوارثين من أصحاب الفروض وذوي الأرحام ثم من بعدهم إلى القاضي. أو تنتقل بعد العصبات إلى القاضي؟
ذهب أبو حنيفة أنها تنتقل إلى هؤلاء الأقارب قبل القاضي ولا تنتقل إليه إلا إذا لم يوجد واحد منهم.
فتثبت أولاً للأم ثم أم الأب ثم أم الأم ثم البنت ثم بنت الابن ثم بنت بنت البنت ثم الجد لأم ثم الأخت الشقيقة ثم الأخت لأب ثم الإخوة والأخوات لأم، ثم أولاد هؤلاء على الترتيب السابق، ثم للعمات مطلقاً والأعمام لأم ثم الأخوال والخالات ثم بنات الأعمام ثم أولادهم.
فإن لم يوجد أحد من هؤلاء انتقلت الولاية إلى القاضي.
غيبة الولي القريب وعضله:
إذا عرفنا الأولياء فكل واحد منهم إذا كان مستوفياً لشروط الولاية يحجب من بعده، فإذا تولى الولي البعيد العقد مع وجود القريب توقف العقد على إجازة من له الولاية كتزويج الأخ لأخته وأبوه حاضر، لكن قد يغيب الولي القريب أو يمتنع عن التزويج فهل تنتقل الولاية لمن بعده؟
إذا غاب الولي القريب وجاء الخاطب الكفء وهو لا ينتظر حضور الغائب أو معرفة رأيه، فإن الولاية تنتقل إلى من يليه خوفاً من فوات المصلحة، ولأن الولاية ثابتة للبعيد بأصل قرابته إلا أنها مؤخرة لكون القريب أوفر شفقة، فإذا تعذر قيام الولي بعقد العقد كان الحق للبعيد في هذه الحالة.
وعلى ذلك ليس للغائب إذا حضر أن يعترض على هذا العقد، لأنه اعتبر في حال غيبته كالمعدوم وهذا عند أبي حنيفة.
وإذا امتنع الولي صاحب الحق عن التزويج، فإذا كان امتناعه لسبب ظاهر كعدم كفاءة الزوج أو لأن المهر أقل من مهر المثل، أو لوجود خاطب آخر يفوق الأول في مزاياه لا يعد عاضلاً في هذه الحالة ولا تنتقل الولاية لغيره، فليس لمن بعده من الأولياء تولي العقد، كما لا يملك القاضي توليه لعدم الظلم في هذه الحالة.
أما إذا امتنع من غير سبب يبيح له ذلك كان في هذه الحالة عاضلاً أي ظالماً، وحينئذ لا تنتقل الولاية لمن بعده من الأولياء لعدم سقوط ولاية الممتنع بل تنتقل إلى القاضي فيتولى العقد نيابة عنه، لأن ما فعله ظلم يؤدي إلى تنازع الأولياء، وهو مكلف برفع الظلم.
ويعد الولي عاضلاً إذا امتنع عن التزويج عند حاجة المولى عليها إليه، كما إذا طلبت الحرة البالغة العاقلة الإنكاح من كفء موجود راغب فيها بمهر المثل، فإنه يجب عليه التزويج لأن امتناعه ظلم وهو منهي عنه، فإذا لم يفعل تولى القاضي نيابة عنه.
وكذلك تنتقل إلى القاضي فيما إذا وجد أولياء في درجة واحدة وتنازعوا وخيف أن يؤدي تنازعهم إلى فوات الخاطب الكفء.
المبحث الرابع
في أنواع الولاية المتعدية وعلى من تثبت كل منهما:
اتفق الفقهاء على أن هذه الولاية تتنوع إلى نوعين:
ولاية جبرية: وهي التي تُخَوِّلُ لصاحبها الاستقلال بإنشاء عقد الزواج دون أن يكون للمولى عليه دخل فيه، ولذا سماها بعض الفقهاء ولاية استبدادية لاستبداد الولي فيها إنشاء العقد دون مشاركة من المولى عليه.
وولاية لا جبر فيها: وهي التي تخول للولي تزويج المولى عليه بناء على اختياره ورغبته فلا يستقل بالعقد، ولكن الفقهاء اختلفوا في تسميتها، فالحنفية في الراجح من مذهبهم يسمونها ولاية ندب واستحباب. على معنى أنه يستحب للولي مباشرة العقد نيابة عن المولى عليه بعد أن يتم الاختيار من جهته، كما يستحب للمولى عليه أن يكل مباشرة العقد للولي، حيث يصح له أن يباشره بنفسه.
ويسميها المالكية ولاية اختيار حيث لا جبر فيها على المولى عليه.
ويسميها الشافعي ولاية شركة لاشتراك كل من الولي والمولى عليه في اختيار الزوج، فلا يتم العقد إلا بتلك المشاركة، ولا فرق بينهما إلا أن الشافعية يمنعون تولي المولى عليه العقد لأنه امرأة.
ولكل من الولايتين أحكام تخالف أحكام الأخرى: وإليك البيان:
أما الولاية التي لا جبر فيها "ولاية الندب والاستحباب" فتثبت لكل الأولياء عموماً لا فرق بين ولي وولي حسب الترتيب في كل مذهب كما قدمنا.
وتثبت هذه الولاية على المرأة البالغة العاقلة وإن كانت رشيدة، هذا القدر متفق عليه بين الأئمة في الجملة، لكنهم اختلفوا وراء ذلك في أنها هل تثبت على تلك المرأة مطلقاً بكراً كانت أو ثيباً، أو أنها مقيدة بقيد بحيث لو لم يوجد كانت الولاية إجبارية ؟.
فالحنفية لا يشترطون فيها شيئاً، ويوافقهم الحنابلة في إحدى الروايتين عندهم والشافعية يشترطون فيها الثيابة فإن كانت بكراً فالولاية عليها إجبارية. وهي رواية عند الحنابلة.
ويوافقهم المالكية في القول المشهور عندهم فإنه يقرر أن البكر البالغة تثبت عليها ولاية الإجبار ولو بلغت ستين سنة أو أكثر.
بم يكون الرضا؟
يتحقق الرضا من الثيب بالقول وبالفعل كمطالبتها بالمهر والنفقة، وتمكينها من نفسها لحديث "الثيب يُعرب عنها لسانها" والفعل يدل على ما يدل عليه القول. وقول رسول الله لبريرة "إن وطئك زوجك فلا خيار لك".
أما البكر فرضاها يتحقق بهذين الطريقين، وبأمر ثالث وهو السكوت لحديث "وأذنها صُماتها"، ولأنها تستحي من النطق بالإذن من النكاح لما فيه إظهار رغبتها في الرجال فتنسب إلى الوقاحة، فلم يجعل سكونها إذناً وُشرِط استنطاقها - وأنها لا تنطق عادة - لفاتت عليها مصالح الزواج مع حاجتها إلى ذلك وهذا لا يجوز، والسكوت وإن كان محتملاً للرضا وعدمه إلا أنه يترجح جانب الرضا، لأنها لو لم تكن راضية لردت، لأنها إن كانت تستحي من الإذن فلا تستحي من الرد فلما سكتت ولم ترد دل على أنها راضية.
ويقوم مقام السكوت كل فعل يدل على الرضا. كالتبسم أو الضحك من غير استهزاء، وقالوا: ومنه البكاء بدون صوت فإنه بكاء الفرح.
المراد بالبكر والثيب:
ليس المراد بالبكر والثيب هنا حقيقتهما اللغوية، لأن حقيقة البكارة بقاء العُذرة، وحقيقة الثيابة زوالها، والحكم هنا ليس مبيناً على ذلك بالإجماع، لأن أحكام الولاية لا تقف عند هذا المعنى، بل هناك صور ممن ذهبت عُذرتها تعامل معاملة البكر في الزواج وما يتعلق به من الولاية.
فالثيب هنا: من ذهبت عذرتها بمقاربة جنسية يتعلق بها ثبوت النسب وهي ما كانت بزواج صحيح أو فاسد أو بشبهة توجب لها المهر بالاتفاق بين الفقهاء.
أما من ذهبت بكارتها بعارض كوثبة أو ضربة أو جراحة أو دفعة حيض شديدة فتعامل معاملة البكر بالاتفاق مع كونها ثيب بالغة. لبقائها على حيائها حيث لم تمارس أحداً من الرجال، كما أنها لم تباشر الإذن بعقد الزواج، أو يقال: إنها بكر حقيقة. لأن مصيبها بعد زوال عذرتها أول مصيب لها. ومنه الباكورة وهي أول الثمار.
لكن الفقهاء اختلفوا فيمن زالت بكارتها بالزنى:
ذهب الشافعي في الأصح وأحمد في المشهور إلى أنها ثيب تعامل معاملة الثيب في الزواج لا فرق في ذلك بين المطاوعة والمكرهة.
قالوا: إن هذه ثيب حقيقة لغة وشرعاً بما حصل منها فإن مصيبها عائد إليها، ومنه المثابة الموضع الذي يرجع إليه، فدخلت في الثيب في الحديث. وقد فرق بينها وبين البكر.
ولأنها تشبه الموطوءة بشبهة، وقد اتفق الجميع على أنها ثيب فتكون هذه مثلها.
ولأن البكر يكتفى بسكوتها لحيائها وهذه قد ذهب حياؤها بمخالطتها الرجال بهذا الطريق المحرم على أن الحياء أمر خفي لا يمكن الوقوف عليه وإنما يعرف بمظنته وهي البكارة وقد زالت بالزنى.
وذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية إلى أنها تعامل معاملة البكر إذا لم تشتهر بالزنى على الأصح، لأن علة الاكتفاء بصمات البكر الحياء كما جاء بالحديث، والحياء من الشيء لا يزول إلا بمباشرته، وهذه لم تباشره بالإذن في النكاح فبقي حياؤها منه بحاله.
ولهذا لم تدخل البكر التي زالت عذرتها بالوثبة ونحوها في الثيب في هذا الحديث وإن كانت ثيباً حقيقة، وأن الشارع ندب إلى الستر على الزنى، ومعاملتها معاملة الثيب في هذا الموضع تشهير بها يتنافى في الستر المطلوب.
أما ولاية الإجبار فقد اتفق أصحاب المذاهب الأربعة على أنها تثبت على الصغير والبكر الصغيرة والمجانين والمعاتية ذكوراً وإناثاً إذا وجدت مصلحة في تزويجهم.
واختلفوا في ثبوتها على الثيب الصغيرة والبكر البالغة العاقلة.
ذهب المالكية إلى ثبوت ولاية الجبر عليهما لأن علة الجبر عندهم إما الصغر أو البكارة.
وذهب الشافعية إلى ثبوتها على البكر الكبيرة فقط، لأن علة الجبر هي البكارة لجهلها بأمر الزواج لعدم ممارسته بالتجربة فتكون عاجزة عن اختيار الزوج الملائم، وعلى هذا لو زوج الأب الصغيرة ثم دخل بها الزوج ثم طلقت لا يجوز للأب تزويجها حتى تبلغ فتستشار إذ لا حاجة إلى زواجها ثانية حيث لم تنجح التجربة الأولى فلا داعي لتكرارها، وهي لا تزوج إلا بأمرها كما صرح الحديث "الثيب تستأمر" ولا أمر لها ما دامت صغيرة فينتظر حتى تبلغ ليكون لها أمر.
وذهب الحنفية والحنابلة في أرجح الرأيين عندهم إلى ثبوت الولاية الجبرية على الثيب الصغيرة دون البكر البالغة، لأن علة الجبر هي الصغر، ولذلك تثبت على الصغير وهو لا يوصف بالبكارة ولا بالثيابة، لأن الصغر، يصحبه العجز عادة عن اختيار الزوج ويلحق به ما في معناه من عته أو جنون.
والثيب الصغيرة كانت الولاية ثابتة عليها قطعاً قبل الثيوبة فكان الولي يملك جبرها على الزواج إذا وجد مصلحتها في ذلك لتستوفي حظها منه بعد البلوغ لعجزها عن ذلك بنفسها وقدرة الولي عليه، والثيابة التي عرضت لها لا تصلح مانعاً من تزويجها بل تجعلها أحوج إلى التزويج من البكر لأنها مارست الرجال وصحبتهم، فإذا ثبتت الولاية على البكر فأولى أن تبقى على الثيب الصغيرة.
من تثبت له ولاية الإجبار؟
للفقهاء في ذلك آراء، يثبتونها للأب والجد فقط لأن ثبوتها للأب ثبت بتزويج أبي بكر الصديق ابنته عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهي صغيرة.
والجدُّ مثل الأب في كثير من الأحكام حيث يتصرف في مالها كالأب فيأخذ حكمه في ثبوت الولاية، ويقتصر على هذين لوفور شفقتهما التي لا تتوفر في غيرهما من العصبات.
وأضافوا الحاكم للأب والجد في ثبوت الولاية الجبرية على المجانين والمعاتية.
وذهب المالكية والحنابلة في المشهور عندهم إلى إثباتها للأب ووصيه، لأن الوصي قائم مقام الأب واختياره يدل على ذلك، فإن الأب لا يختار وصياً لتزويج ابنته إلا إذا كان موفور الشفقة حريصاً على مصلحة ابنته.
غير أن المالكية يقيدون ولاية الإجبار للوصي بحالتي ما إذا عين الأب الزوج أو فوض له الأمر بأن يزوجها من يشاء، فإذا ملك الوصي الإجبار لا يزوجها إلا بمهر المثل وبالزوج الكفء بخلاف الأب فإنه يملك الإجبار مطلقاً.
وذهب الحنفية إلى إثباتها للعصبات، واستدلوا بإجماع الصحابة، وبما روي عن علي كرم الله وجهه "النكاح إلى العصبات" فقد روى مرة موقوفاً عليه وأخرى مرفوعاً لرسول الله، ولوجود الشفقة عند سائر العصبات غير أنهم لما كانوا مختلفين في قوة القرابة والشفقة اختلف الحكم في تزويجهم حيث يكون تارة لازماً، وأخرى غير لازم:
ففي تزويج الأب والجد والابن بالكفء والمهر المناسب يكون العقد لازماً لا تخيير فيه، وفي تزويج غيرهم جعل للمولى عليه الخيار عند البلوغ إذا كان صغيراً أو الإفاقة إن كان مجنوناً ليتدارك الخطأ الذي يكون في تزويجهم.
الفَصل الثّاني
في الكفاءة في الزواج:
في أي الجانبين تشترط فيه الكفاءة؟
وقت اعتبار الكفاءة.
المبحث الأول في تعريفها والأمور التي تعتبر فيها:
الكفاءة في اللغة: المساواة والمماثلة مطلقاً . يقال : فلان كفء لفلان أي مساوٍ له ومماثله.
وفي اصطلاح الفقهاء أي المطلوبة في الزواج: يراد بها مساواة خاصة. وهي المساواة أو المقاربة بين الزوجين في أمور مخصوصة بحيث لو اختلف كانت الحياة الزوجية غير مستقرة لما يلحق الزوجة وأولياءها من التعير والأذى، ولقد اختلف فقهاء المسلمين في جعلها شرطاً في الزواج، كما أن الشارطين لها اختلفوا فيما تعتبر فيه الكفاءة، والسبب في ذلك أن القرآن لم يعرض لهذا الأمر، بل جاء فيه {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]، والسنة جاءت موافقة له في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس لعربي فضل على أعجمي إلا بالتقوى".
فالقرآن والسنة متفقان على أنه لا فضل لأحد على غيره إلا بالدين والخلق، غير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في شأن الزواج : "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"، وعلى هذا الأصل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني بياضة أن يزوجوا أبا هند وكان حجاماً، كما أمر قوماً من الأنصار أن يزوجوا بلالاً الحبشي عند امتناعهم عن تزويجه، وزوج أبو حذيفة بنت أخيه الوليد عتبة من سالم الذي تبناه وهو مولى امرأة من الأنصار كما رواه البخاري وأبو داود وغيرهما، ومن ذلك ترى أن الأساس في الكفاءة الزوجية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الدين والخلق، وعلى هذا القدر اقتصر بعض فقهاء الصحابة والتابعين.
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الكفاءة حق للزوجة وأوليائها.
وذهب أحمد في رواية إلى جعلها حقاً للشارع فلا تسقط بإسقاط المرأة ووليها.
وفي الرواية الأخرى يوافق الجمهور ويجعلها حقاً للزوجة والأولياء من العصبات لأنهم يتعيرون عند الزواج بدونها.
وإذا أضفنا إلى ذلك أن الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما كانوا يتفاخرون إلا بالسبق في الإسلام ومنزلة الرجل فيه، ولم يكن المال عندهم إلا وسيلة للحياة. فلم يكن بينهم تعير بفقر ولا فخر بغنى، ومثل ذلك يقال في الحرف، وما كان الواحد منهم يأنف من أن يتزوج ابنته لفقير أو صاحب حرفة بسيطة، ما دام دينه سليماً وخلقه مرضياً.
وإن الزواج كما عرفناه عقد الحياة، يربط بين الأسر ويجعل الزوج كفرد من أفراد أسرة زوجته، والناس في كل عصر تختلف عاداتهم فيما يتعيرون منه.
وإن اشتراط الكفاءة فيه لم يكن إلا وسيلة لدعمه واستقراره ليؤتى ثمرته المرجوة منه.
ولا مانع شرعاً من اعتبار أمور أخرى في الكفاءة ما دامت لا تخرج عن نطاق الشريعة وأن هذه الأمور تختلف من عصر لآخر ومن بيئة لأخرى، ومن هنا جاء اختلاف الأئمة في الأمور التي تعتبر فيها الكفاءة:
ذهب مالك إلى أن الكفاءة تعتبر في الدين أي التدين. بأن يكون الزوج ذا دين، أي غير فاسق مع السلامة من العيوب الجسمية التي لا يمكن الحياة معها إلا بضرر، وجعلوا الأول حقاً للزوجة والأولياء، والثاني حقاً لها خاصة.
وذهب الشافعي إلى اعتبارها في أمور خمسة: الدين والنسب والحرفة والحرية، والخلو من العيوب المثبتة للخيار. كالجنون والجذام والبرص، وقد زاد بعض أصحابه أمراً سادساً وهو المال، والأصح عدم اعتباره، لأن المال غاد ورائح ولا يفتخر به أهل المروءات.
وذهب أحمد إلى روايات مختلفة فيها: ففي بعضها تعتبر في التدين فقط. وفي أخرى تعتبر في التدين والنسب، وفي ثالثة في الدين والنسب والحرفة.
وذهب الحنفية إلى اعتبارها في أمور ستة. وهي النسب والإسلام والحرية والحرفة، والمال والديانة على خلاف بينهم في بعضها.
المبحث الثاني
34- في أي الجانبين تشترط فيه الكفاءة ؟ وصاحب الحق فيها:
تشترط الكفاءة في جانب الرجل فقط لأمور.
أولاً: أن المرأة هي التي تعير بزواج غير الكفء، كما أن أهلها يعيرون بذلك، أما الرجل فلا يلحقه هو ولا أسرته معرة بزواج امرأة لا تساويه في المنزلة، ولو فرض وتعير بها استطاع أن يتخلص منها بالطلاق.
ثانياً: أن الرجل له القوامة على المرأة، فسلطة التوجيه له لا لها، فلابد من مساواته لها على الأقل حتى تتقبل منه التوجيه، لأنه لو كان أقل منها منزلة فقد تستهين به وتأنف من تنفيذ ما يطلبه منها.
ثالثاً: أن الرجل إذا كان صاحب منزلة بين الناس رفع امرأته مهما كانت درجتها، عكس المرأة فإنها مهما علت درجتها فلن ترفع ما في زوجها من خسة ووضاعة.
35- وقت اعتبار الكفاءة:
تعتبر الكفاءة وقت إنشاء العقد فهي شرط في ابتدائه ولا تشترط لبقائه. وعلى ذلك لو تزوج رجل امرأة وكان كفئاً لها ثم زالت كفائته. بأن كان غنياً وافتقر، أو كان صالحاً ثم انحرف وأصبح فاسقاً، أو كان صاحب حرفة شريفة فاحترف غيرها أقل منها فالزواج باقٍ لا يفسخ لزوال الكفاءة.
لأننا لو شرطناها في البقاء لتهدمت الأسر ولما استقر عقد من عقود الزواج، لتقلب الأحوال كما هي سنة الحياة، ولأن المرأة في هذه الحالة لا يلحقها عار ببقائها مع من زالت كفائته، بل قد تكون محمودة مشكورة على صبرها ورضاها بقضاء الله، وفي عرف الناس يعد بقاؤها ورضاها وفاء، ونفورها وعدم رضاها غير ذلك.
ذهب الفقهاء إلى أن الكفاءة هي حق للزوجة وأوليائها ثابت لكل منهما على حدة لا يسقط إلا بإسقاطه، فلو أسقطه أحدهما بقي حق الآخر، لكنه ثابت للولي في جميع الصور من غير استثناء، وللزوجة إلا في صورة واحدة، وهي ما إذا كانت فاقدة الأهلية وزوجها بغير الكفء ولي من أصولها أو فروعها غير معروف بسوء الاختيار فإن العقد صحيح لازم عند أبي حنيفة.
ويتفرع على ذلك الفروع الآتية:
1- إذا زوجت البالغة العاقلة نفسها بدون إذن وليها من غير كفء، فإن هذا العقد موقوف على إجازة الولي على إحدى الروايتين عند أبي حنيفة، وفاسد على الرواية المفتى بها.
2- إذا زوج الولي البالغة العاقلة بغير كفء بدون رضاها توقف ذلك على إجازتها، لأن حقها في الكفاءة ثابت لا يسقط إلا بإسقاطها.
3- إذا زوجت نفسها ممن لا تعرف حاله، ولم تشترط الكفاءة عند العقد، ثم ظهر أنه غير كفء سقط حقها بتقصيرها في البحث عنه وعدم الاشتراط وبقي حق الولي فيتوقف على إجازته.
4- إذا زوجها الولي من رجل لا تعرف كفاءته برضاها ولم تشترط هي ولا وليها الكفاءة ثم ظهر أنه غير كفء لزم العقد وسقط حقهم بتقصيرهم في البحث وعدم الاشتراط في العقد.
وعلى هذا لو شرطت هي أو وليها الكفاءة في الصورة السابقة ثم تبين أنه غير كفء كان الحق ثابتاً للشارط دون غيره.
5- إذا غرر الزوج عند العقد في الكفاءة بأن ادعى ما يثبت كفاءته ثم تبين أنه غير كفء كان الحق لها ولأوليائها سواء كانت هي التي باشرت العقد أو باشره وليها برضاها.
6- إذا غرر الزوج في النسب بأن نسب نفسه إلى عائلة أعلى من عائلته ثم ظهر كذبه، فإن لم يكن مكافئاً لها يثبت الحق لها ولوليها، فإن رضيت به كان لوليها حق الاعتراض وبالعكس، فإن رضيا سقط حقهما ولزم العقد، وإن كان كفئاً لها سقط حق الأولياء لأن حقهم في الكفاءة فقط ولم يوجد تغرير فيها وبقي حقها في الفسخ لأنها قبلت زواجه على أساس نسب معين ولم يوجد فلا تجبر على إبقاء هذا العقد، لأن المرأة قد ترضى بالزواج ممن هو أفضل منها ولا ترضى به ممن يماثلها، ومن هنا يدخل الخلل في رضاها الذي هو أساس صحة العقد.
وإذا كان التغرير من جانبها بأن انتسبت إلى غير أسرتها فتزوجها على ذلك ثم ظهر أنها من أسرة أخرى أقل مما انتسبت إليهما فلا خيار له، لأنه لا يلحقه عار بزواج امرأة أقل منه، وعلى فرض حصوله يمكنه التخلص منها بالطلاق.
ثم إن حق الكفاءة يثبت للولي العاصب القريب دون غيره من ذوي الأرحام والأم والقاضي، فإن كان لها ولي واحد ثبت الحق له، وإن تعددوا كان الحق للأقرب.
وعلى ذلك إذا رضي القريب بغير الكفء لم يكن للبعيد حق الاعتراض، وإن لم يرض القريب فلا يؤثر رضا من بعده.
وإن تعددوا وكانوا متساوين كالإخوة الأشقاء أو الأعمام الأشقاء مثلاً فإن الحق يثبت لكل منهم، فإن اتفقوا على الرضا بالعقد نفذ وإن رضي البعض بهذا العقد قبله أو عند إنشائه ولم يرض الآخرون.
ذهب أبو حنيفة إلى أن رضا البعض مسقط لحق الباقين، لأن الولاية حق لا يتجزأ، لأن سببها القرابة وهي لا تتجزأ فيثبت الحق لكل منهم كاملاً، وعلى هذا يكون رضا البعض بمثابة رضا الجميع كما في ولاية الأمان فإنها تثبت لكل واحد من المسلمين ولو كان امرأة، فإذا أعطى واحد منهم الأمان لشخص من الأعداء استجار به نفذ على الجميع، وكذلك العفو عن القصاص إذا عفا أحد الأولياء للمقتول على القصاص سقط حق الباقين في المطالبة به.
الفَصل الثَالِث
في الوكالة في الزواج
37- أنواع الوكالة في الزواج:
الوكالة في اللغة تطلق على أحد معنيين الحفظ أو الاعتماد والتفويض في الأمر.
وفي اصطلاح الفقهاء: إقامه الشخص غيره مقام نفسه في تصرف يملكه شرعاً مما يقبل الإنابة.
فإذا كان الشخص لا يملك التصرف بنفسه إما لعدم أهليته للتصرف أو عدم ولايته عليه لا يصح له أن ينيب غيره فيه، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
وعقد الزواج في ذاته من التصرفات التي تقبل الإنابة، فإذا كان الشخص يملك عقده بنفسه في موضع جاز له أن يوكل غيره ليقوم بدله في إنشائه.
وهذا قدر متفق عليه بين الفقهاء، ولكنهم اختلفوا فيمن يملكه: أهو كامل الأهلية من الرجال والنساء أم يقتصر ذلك على الرجال فقط؟
ذهب الجمهور -المالكية والشافعية والحنبلية- إلى أنه لا يملك التوكيل في الزواج إلا الرجل سواء بالنسبة لنفسه أو لمن في ولايته.
وذهب الحنفية إلى أنه يصح التوكيل فيه للرجل والمرأة على السواء ما دام كل منهما توفرت فيه أهلية إنشائه.
فيجوز للرجل أن يوكل غيره رجلاً كان أو امرأة في تزويج نفسه أو من في ولايته، وكذلك يجوز للمرأة أن توكل غيرها رجلاً كان أو امرأة في تزويجها أو في تزويج من في ولايتها.
لأن الأصل المقرر في الوكالة : أن كل شخص ملك تصرفاً بنفسه جاز له أن يوكل فيه غيره، فلا يشترط في الوكيل إلا أن يكون أهلاً للتصرف سواء كان ذكراً أو أنثى، كما لا يشترط في الموكل إلا أن يكون مالكاً لهذا التصرف.
ولا يشترط في التوكيل أن يكون مكتوباً بل يجوز مشافهة أو كتابة، ولا تتوقف صحته في الزواج على الإشهاد عليه، بل يجوز بدون شهود، لأنه ليس جزءاً من عقد الزواج المشترط فيه الإشهاد وإن كان الإشهاد عليه مستحسناً حتى لا يكون عرضة للإنكار أو يحصل نزاع في صفة العاقد.
والتوكيل بالزواج قد يكون مقيداً كأن يقول الرجل لآخر: وكلتك في تزويجي بفلانة لامرأة بعينها أو يوكله في تزويجه من أسرة معينة أو بمهر معين، أو تقول المرأة لرجل: وكلتك في تزويجي من فلان أو بمهر معين أو ما شاكل ذلك.
وقد يكون مطلقاً كأن يقول: وكلتك في أن تزوجني دون أن يعين له امرأة أو مهراً، أو تقول لرجل: وكلتك في أن تزوجني دون أن تزيد على ذلك شيئاً.
ومن هنا تنوعت الوكالة إلى نوعين مقيدة ومطلقة.
37- أنواع الوكالة في الزواج:
أما الوكالة المقيدة: فإما أن تكون من جانب الرجل أو من جانب المرأة. فإن كانت من جانب الرجل ولم يخالف الوكيل مقتضى الوكالة فزوجه بالمرأة التي عينها وبالمهر الذي حدده نفذ العقد ولزم الموكل، لأنه ملك الوكيل تصرفاً معيناً فأتى به حسبما رسمه له.
وإن خالف فزوجه بامرأة غير التي عينها أو من أسرة أخرى غير التي عينها أو بمهر أكثر مما حدده توقف العقد على إجازة الموكل، إن أجازه نفذ وإن لم يجزه بطل، لأنه بمخالفته خرج عن مقتضى الوكالة فيكون فضولياً، وعقد الفضولي عند الحنفية موقوف على إجازة صاحب الشأن.
وفي حالة تزويجه بأكثر من المهر يتوقف ولو تعهد الوكيل بدفع الزيادة، لأن الموكل قد لا يرضى بهذا التعهد لما فيه من المنَّة، والإنسان الحر لا يرضى بمنة غيره عليه وبخاصة في مهر زوجته.
أما إذا زوجه بأقل من المهر الذي عينه فإنه لا يتوقف العقد على إجازته لأن المخالفة هنا صورية حيث فيها خير للموكل، لأن من يرضى التزوج بالكثير يرضى به بالقليل.
وإن كانت الوكالة من جانب المرأة بأن وكلت غيرها في تزويجها بشخص معين أو بمهر معين فزوجها بمن عينته وبما حددته من المهر، فإن كان الزوج كفئاً والمهر مهر المثل نفذ العقد ولزم سواء كان لها ولي عاصب أو لا.
وإن كان الزوج غير كفء أو المهر أقل من مهر المثل، فإن لم يكن لها ولي عاصب نفذ الزواج ولزم دون توقف على شيء، لأن الكفاءة والمهر المماثل حقها وحدها وقد أسقطتهما. والوكيل لم يخالف ما رسمته له .
وإن كان لها ولي عاصب لا يصح العقد في حالة عدم كفاءة الزوج، لأنها لا تملك تزويج نفسها بغير الكفء على الرأي المفتى في مذهب الحنفية، وإذا كانت لا تملكه لا يملكه الوكيل، وفي حالة نقصان المهر يلزم العقد في جانبها ولا يلزم وليها فله طلب تكميل المهر فإن لم يفعل الزوج كان له الحق في طلب فسخه.
وإن خالف مقتضى الوكالة بأن زوجها من غير من عينته أو بأقل من المهر الذي حددته توقف العقد على إجازتها حتى ولو كان الزوج كفئاً، لأنه خرج عن مقتضى الوكالة. إذا المرأة أحياناً ترغب في الزواج بمن هو أعلى منها ولا ترضى بزواج من يساويها.
فإن ردته بطل، وإن أجازته لزم في حقها وحق الولي إن كان الزوج كفئاً والمهر مهر المثل، وإن كان الزوج غير كفء بطل رغم إجازتها، لأنها لا تملك ذلك كما قلنا، وإن كان كفئاً والمهر أقل من مهر المثل لزم في جانبها دون جانب الولي. فله حق الاعتراض.
وأما الوكالة المطلقة: وهي التي لم تقيد بزوج ولا بمهر معين.
فإن كان الموكل الرجل: ذهب الحنفية إلى أن العقد لا يلزمه إلا إذا كانت المرأة سليمة من العيوب مكافئة له وبمهر المثل أو يزيد قليلاً مما يتساهل فيه الناس، فإن كان بغير ذلك توقف على إجازتها.
وإن كان التوكيل من جانب المرأة فقد يكون الموكل وليها، وقد تكون هي نفسها إذا كانت بالغة عاقلة. ففي صورة توكيل الولي يملك الوكيل ما يملكه الولي من التزويج، لأن الوكيل يستمد سلطانه من الموكل فإن ملك التزويج بغير الكفء وبأقل من مهر المثل نفذ تزويج الوكيل بهذا.
وإن كان الولي لا يملك إلا التزويج بالكفء وبمهر المثل تقيد الوكيل بذلك وقد سبق مفصلاً في بحث الولاية، وفي صورة توكيلها فإن كان لها ولي عاصب تقيد تزويج الوكيل بالكفء بالاتفاق، فإن زوجها بغير الكفء كان الزواج غير صحيح لأنها لو فعلت ذلك بنفسها كان زواجها غير صحيح على الرأي المفتى به.
وإن لم يكن لها ولي عاصب وزوجها بغير الكفء كان الزواج على إجازتها بالاتفاق.
هل للوكيل بالزواج أن يوكل غيره به؟
جواز ذلك وعدمه يتوقف على صيغة التوكيل. فإذا أطلق له الموكل في توكيله بأن قال له: وكلتك في زواجي ولك أن توكل من تشاء، أو قال: فوضت أمر زواجي إلى رأيك. ففي هذه الحالة يملك الوكيل توكيل غيره، ويكون الوكيل الثاني وكيلاً عن الموكل الأصلي، فإذا عزل الموكل الوكيل الأول قبل الزواج فإن الوكيل الثاني لا ينعزل بعزله، لأن وكالته مستمدة من الموكل فيبقى على وكالته ما لم يعزله عنها، أما إذا لم يطلق في وكالته فليس له أن يوكل غيره، لأن ولاية الوكيل مستمدة من الموكل فالولاية له وحده دون غيره. حيث رضي الموكل رأيه هو دون سواه، فإن فعل وتولى وكيل الوكيل العقد كان موقوفاً على إجازة الموكل الأصلي لأن متوليه في هذه الحالة فضولي.
- حكم الوكالة:
الوكيل في عقد الزواج سفير ومعبر عن الموكل ولذلك لا بد من أن يضيف العقد إلى موكله فلا يرجع إليه شيء من حقوق العقد ولا يضمن شيئاً من ذلك إلا إذا تكفل به، وحينئذ تكون الحقوق راجعة إليه باعتباره كفيلاً، لا باعتباره وكيلاً.
وليس للوكيل على الزوجة أن يقبض مهرها إلا إذا كان مأذوناً بذلك صراحة أو دلالة، فلو سلم الزوج المهر إليه ولم يكن مأذوناً في قبضه ولم ترض الزوجة بهذا القبض لا تبرأ ذمة الزوج منه ولها المطالبة به.
أما إذا كان مأذوناً بذلك فإن ذمة الزوج تبرأ منه وليس لها حق المطالبة به بعد ذلك.
ومن الإذن بالقبض دلالة، أن يقبض الأب أو الجد مهر البكر الرشيدة وتسكت عن المطالبة به عند العقد فإن هذا السكوت يعتبر إذناً بالقبض فتبرأ ذمة الزوج به، لأن العادة جرت بأن يقبض الآباء مهور بناتهم الأبكار والجد مثل الأب في ذلك.
أما إذا كانت ثيباً أو كان الوكيل غير الأب والجد فإن السكوت لا يعتبر رضا بل لابد من الأذن الصريح ولا تبرأ ذمة الزوج بتسليم المهر للوكيل.