أهمية دراسة قانون العقوبات الاقتصادي:
يكتسب قانون العقوبات الاقتصادي أهمية دراسته من الآثار التي تسببها الجرائم الاقتصادية على النمو الاقتصادي والقطاع الضريبي و الإنفاق الحكومي وكذا تأثير هذه الجرائم على سوق الأوراق المالية.
1- أثر الجرائم الاقتصادية على النمو الاقتصادي.
فطبقا للنظرية التقليدية فالفساد يعوق النمو الاقتصاد من خلال استخلاص الربع (الاستئثار بالفائض الاقتصادي كما أن الجرائم الاقتصادية تثبط الاستثمار الأجنبي وتخفض الموارد المتاحة للهياكل الأساسية للعملية الإنتاجية والخدمية العامة
- كما أن الجرائم الاقتصادية تعيق المؤسسات السياسية من خلال إضعاف شرعيتها وإمكانيته محاسبة هذه الحكومات. فالجرائم الاقتصادية – كمحصلة- تعني المعرقل الأول للتنمية المستدامة والمعرقل الأول لتخفيض نسبة الفقر والمعرقل الأول للأداء الحكومي.
02- أثر الجرائم الاقتصادية على القطاع الضريبي:
فعلى سبيل المثال يعد من جرائم القطاع الضريبي تقديم إقرارات ضريبة غير حقيقية تظهر المكلف بدفعها بمقدرة منخفضة مقارنة بمقدرته الحقيقية، في المقابل لا يستطيع الممولون الأمناء من تخفيض هذه المقدرة بنفس الطريقة، فلو عُومل الاثنان معاملة ضريبية واحدة، فان هذا يعني إخلال الجرائم مبدأ العدالة الأفقية والتي تقتضي معاملة ضريبة مماثلة للأفراد ذوي القدرة ضريبة على الدفع، كما يعد إخلالا بمبدأ العدالة الرأسية التي تقتضي معاملة ضريبة مختلفة للأفراد ذوي القدرة المختلفة على الدفع.
من ذلك كله، نجد أن الجرائم الاقتصادية تخل بمبدأ العدالة الاجتماعية في توزيع الإعياء، كما تؤدي إلى إفشال السياسة الاقتصادية في تحقيق أهدافها لأن صانع السياسة المالية في الدولة سيضع حجم إيرادات الحكومية ويخطط لحجم الإنفاق على أساس طاقة ضريبة زائفة، مما يدفع الدولة إلى التخلي عن بعض الأهداف المعلنة في سياستها الاقتصادية
03- اثر الجرائم الاقتصادية على الإنفاق الحكومي:
تؤثر الجرائم الاقتصادية في القطاع الحكومي على تخصيص النفقات العامة، مما يؤدي إلى تخفيض أدنى نفع ممكن من هذا الإنفاق وليس أقصى نفع ممكن كما هو مرجوا، وبالتالي سوء تخصيص الموارد العامة للمجتمع على اعتبار أنها ستوجه إلى أوجه إنفاق لا تحظى بأولوية الإنفاق العام داخل المجتمع.
4- اثر الجرائم الاقتصادية على سوق الصرف الأجنبي:
تسعى الدول إلى أن يتصف سعر عملتها الوطنية مقابل العملات الأجنبية الأخرى بالثبات على الأقل لفترة زمنية معنية، وذالك بغرض إجراء الإصلاحات الاقتصادية المرجو تحقيقها.
لكن الممارسات الإجرامية عادة ما تحول دون ذلك لأنه يترتب عليها في سوق الصرف الأجنبي سوقان:
- الأول رسمي، يسوده السعر الرسمي للصرف الأجنبي ويتميز بندرة في الصرف الأجنبي مقارنة بالطلب.
- و الثاني سوق غير رسمي يسوده سعر غير رسمي للعرف أعلى من السعر الرسمي، ويتميز بحركية ونشاط كبيرين في شراء ما هو متوفر من العملات الأجنبية.
05- وللجرائم الاقتصادية اثر أيضا على سوق الأوراق المالية وصناديق الاستثمار.
وتتناول هذه المحاضرات نقطتين اساسيتين هما ماهية قانون العقوبات الاقتصادي ومظاهر الجرائم الاقتصادية وفيها نتطرق بالدراسة والتحليل لبعض الجرائم الاقتصادية.
أولا/ ماهية قانون العقوبات الاقتصادي:
تعريف قانون العقوبات الاقتصادي:
إن الحديث عن تعريف قانون العقوبات الاقتصادي والجريمة الاقتصادية أمر سابق لأوانه في ظل انقسام الفقه بين اتجاهين بخصوص وجود هذا القانون من عدمه، لذلك تقتضي منا دراسة مفهوم قانون العقوبات الاقتصادي التطرق إلى هذه الجدلية الفقهية أولا فتعريف قانون العقوبات الاقتصادي والجريمة الاقتصادية ثانيا.
أولا/ الجدل الفقهي حول وجود قانون العقوبات الاقتصادية :
انقسم الفقه إلى قسمين فيما يتعلق بوجود قانون العقوبات من عدمه، فكان جانب من الفقه منكر لوجوده وآخر يؤكد وجوده.
فالمنكرون لوجود قانون العقوبات الاقتصادي هم التقليديون من الفقه، ينكرون بالأساس وجود الجريمة الاقتصادية وحجتهم في ذلك أن المشرعين اصطنعوا هذه الجرائم وابتدعوها من أجل حماية أنظمتهم الاقتصادية، وأن هذه الجرائم الموصوفة بالجرائم الاقتصادية لا تنطوي بذاتها ولا تمس القيم والأخلاق الاجتماعية في المجتمع كما هو الوضع في الجرائم التقليدية الاخرى .
أما المؤيدون لوجود قانون العقوبات الاقتصادي وهم المعاصرون من الفقه، يرون وجود هذا القانون لوجود هذه الجرائم في الحياة الواقعية وكونها حقيقة ملموسة في الوقت المعاصر، وما استحداث قانون العقوبات الاقتصادي إلا لمواجهة هذه الجرائم .
وإننا إذ نؤيد هذا الرأي القائل بوجود قانون العقوبات الاقتصادي للدلائل الواقعية التي تؤكد فرضية وجود هذا القانون، ومنها ما ذهب إليه القضاء الفرنسي من خلال محكمة النقض الفرنسية لعام 1949، والتي جاء في قرارها هذا تعريف للقانون الاقتصادي، كما أن المشرع المصري قد سايره في ذلك في مشروع قانون العقوبات الاقتصادية المصري في المادة 150 منه، حيث جاء فيها أن :" الجريمة الاقتصادية هي كل عمل أو امتناع يقع بالمخالفة للقواعد المقررة لتنظيم إنتاج وتوزيع واستهلاك وتداول السلع والخدمات.
كما أن المشرع السوري خصه بقانون يحمل هذا الاسم وهو قانون العقوبات الاقتصادي، أما المشرع الجزائري فقد نظم الجرائم الاقتصادية والعقاب عليها بالأمر رقم 66-180 الصادر في 1966 ، وهو أمر يهدف "... إلى قمع الجرائم التي تمس بالثروة الوطنية والخزينة العامة والاقتصاد الوطني ...وهذا حسب نص المادة الأولى من هذا الأمر، قبل أن يلغى العمل به بدءاً من سنة 1975.
لقد وجد قانون العقوبات الاقتصادي بهدف حماية السياسة الاقتصادية ويتجلى مظهر هذه السياسة الاقتصادية في التشريعات التي تصدرها الدولة والمتعلقة بالاقتصاد، لذلك فإن تعريف القانون الاقتصادي مسألة أولية لإعطاء تعريف لقانون العقوبات الاقتصادية.
وتجدر الإشارة إلى أن كلاً من القانون والاقتصاد هما فرعان من فروع قانون الاجتماع، كما أن الإجرام الاقتصادي له علاقة لصيقة بعلم الاقتصاد حيث يعد الإجرام الاقتصادي جزء لا يتجزأ من الاقتصاد نفسه، فالمخالفات الاقتصادية متجدرة في الاقتصاد، ولعل هذه الأخيرة أحد الأسباب التي جعلت من الدولة الحديثة لا تستغني عن التدخل في الاقتصاد من خلال ما تصدره من تشريعات تهدف إلى تحقيق الأهداف الاقتصادية المحددة في السياسة الاقتصادية للدولة.
إن الحديث عن القانون الاقتصادي " كمصطلح " يمكن أن يثار في كل المجتمعات بغض النظر عن درجة تطور هذه المجتمعات،وبغض النظر عن كيفية تنظيمها لنشاطها الاقتصادي لأن الحديث عن القانون يرجع بالأساس إلى العلاقة الطبيعية هي بين القانون والاقتصاد المتمثلة في علاقة التعاون بين فرعي العلوم الاقتصادية.
ولقد عرفت محكمة النقض الفرنسية القانون الاقتصادي بأنه مجموعة النصوص التي تنظم إنتاج وتوزيع واستهلاك وتداول السلع والخدمات.
أما عن تعريف قانون العقوبات الاقتصادي: فإنه يتعلق بمدى ارتباط فكرة الجريمة الاقتصادي بالنظام الاقتصادي للدولة، لذلك أختلف الفقه حول تحديد نطاق هذا القانون بين اتجاهين، اتجاه ضيق، وآخر واسع.
01- الاتجاه الضيق(الليبراليون): يرى أصحاب هذا الاتجاه بأن قانون العقوبات الاقتصادي يرتبط ارتباطا وثيقا بالقانون المتعلق بالمنافسة و الأسعار.
فقانون العقوبات الاقتصادي: هو مجموعة القواعد القانونية الموضوعية والإجرائية التي تؤمن حرية التعامل الاقتصادية وحماية الأفراد من التعسف في استعمال هذه الحرية الاقتصادية فيما بينهم والتي تهدف إلى أداء الدولة لسياساتها في مجال الإنتاج وتوزيع الأموال وكذلك ضمان دورها في استخدام هذه الأموال وتوزيع هذه الخدامات.
وبالتالي فحسب هذا الاتجاه يعد جريمة اقتصادية، كل فعل أو امتناع عن فعل يخالف قواعد المنافسة وتحديد الأسعار.
02- أما الاتجاه الموسع (الاشتراكيون): فيعرفون قانون العقوبات الاقتصادي بأنه القانون الذي يعالج صور التجريم والعقاب المتخصصة لضمان عدم مراعاة قواعد القانون الاقتصادي.
فحسبهم، هو قانون يعاقب على الأفعال التي تتعارض مع السياسة الاقتصادية التي ترسمها الدولة وتسعى لأجل تحقيقها.
أي أنه مجموعة القواعد الموضوعية والإجرائية التي تنص على صور التجريم والعقاب المخصصة لضمان تنفيذ السياسة الاقتصادية للدولة، فهو يعاقب على أي اعتداء يقع على النظام الاقتصادي باعتباره يتعارض والسياسة الاقتصادية للدولة .
أما الجريمة الاقتصادية فيعرفونها على أنها: كل عمل أو امتناع يقع بالمخالفة للقواعد المقررة لتنظيم أو حماية السياسة الاقتصادية للدولة.
وتختلف السياسة الاقتصادية بحسب اختلاف النظام الاقتصادي الذي تتبعه الدولة.
ظهور و تطور قانون العقوبات الاقتصادي:
ظهرت فكرة قانون العقوبات الاقتصادي مع بداية الحرب العالمية الأولى، فخلال هذه الحرب عرف العالم نظام التسعير للمواد التموينية وتوزيعها بالبطاقات أثناء الحرب. وكنتيجة للحرب تعرضت اقتصاديات الدول للتصدع وأدت بها الحرب إلى فقدانها جزء كبيرا من وسائل الإنتاج ومن قوتها العاملة.
هذه الحالة اقتضت على الدول أثناء وبعد الحرب إدخال تعديلات على النظام الاقتصادي اقترنت هذه التعديلات بثورة سياسية واجتماعية في بعض الدول، فظهر للوجود النظام الاشتراكي في روسيا، والفاشي في ايطاليا والنظام النازي في ألمانيا.
فجاء قانون العقوبات الاقتصادي من أجل حماية التشريعات الاقتصادية التي تبنتها هذه الدول بعد الحرب.
ولم تكن الحرب وحدها السبب في تقيد الحريات الاقتصادية، فقد يلجأ إلى هذا الإجراء أيضا في زمن الأزمات الاقتصادية، فكانت الأزمة المالية لسنة 1929 في الولايات المتحدة الأمريكية سببا آخر في تبلور قواعد قانون العقوبات الاقتصادية، فاضطرت حينها الكثير من الدول إلى سن تشريعات لحماية النقد وتنظيم و التجارة ومحاربة البطالة.
وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية 1939 تأثرت الدول المحايدة بما يحدث فاضطرت إلى سن تشريعات اقتصادية للحد مما يحدث وتجلى ذلك مجموعة تشريعات تتعلق بالرقابة على النقد والتجارة الخارجية وكذا الحد من ارتفاع الأسعار و توزيع الإنتاج والسلع الاستهلاكية بالبطاقات.
ولأن آثار الحرب العالمية الثانية لم تقتصر فقط على الدمار بل خلفت آثارا سياسية واجتماعية إذ استقلت كثير من الدول المحتلة و البلدان التي كانت تحت الوصاية، فجنحت الكثير منها إلى الأخذ بالنظام الشيوعي، حيث عمدت دول أخرى في المرحلة إلى الأخذ بالتوجيه الاقتصادي، فعلى سبيل المثال لم يقتصر التأميم على الدول الشيوعية، بل تعدى إلى دول تدين بالحرية الاقتصادية كفرنسا وبريطانيا، هذه التحولات كلها ساهمت في ازدهار أحكام هذا الفرع الجديد أن قانون الأعمال، ألا وهو قانون العقوبات الاقتصادي.
خصائص قانون العقوبات الاقتصادي:
لقانون العقوبات الاقتصادي خصائص تضفي عليه طابعا خاصا هي:
أولا/ قانون مصطنع: كونه ينص على جرائم مصطنعة من طرف المشرع لحماية السياسة الاقتصادية للدولة، فالجرائم الاقتصادية لا تمس بتاتا بالجانب الأخلاقي والمشاعر والأحاسيس العميقة للأفراد.
ثانيا/ قانون ظرفي وغير مستقر: بعكس القانون العقوبات التقليدي، لأنه مرتبط بالحالة الاقتصادية والاجتماعية و السياسية التي تعيشها الدولة .
ثالثا/ قانون يمتاز بالشدة: تمتاز العقوبات الواردة في قانون العقوبات الاقتصادي بالشدة كجزاء لارتكاب الجريمة الاقتصادية، كما أنه قانون ينص على الجرائم الشكلية بكثرة وجرائم الحظر ويخصص لها عقوبات قاسية وشديدة، كما أنه يتميز بالمسؤولية الجزائية للشخص حتى على أفعال الغير والمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي.
رابعا/ قانون تقني: وذلك راجع إلى كونه قانون ينظم جوانب اقتصادية تتطلب الدقة والمتابعة المستمرة ولا يتأتى ذلك إلا من خلال اختصاصين اقتصاديين كالخبراء والمختصين في هذا الموضوع .
خامسا/ استقلالية قانون العقوبات الاقتصادي: جاء هذا القانون بمجموعة مبادئ تخرج عن القواعد العامة لقانون العقوبات التقليدي أعطت له استقلالية تامة عن هذا الأخير ونلمس ذلك في الجانب التشريعي وفي الأركان المكونة للجريمة الاقتصادية، إضافة إلى المسؤولية الجزائية.
ثانيا/ مظاهر الجرائم الاقتصادية: هي دراسة تحليلية لبعض الجرائم الاقتصادية كنماذج والتي تمس الأهداف الاقتصادية المحددة ضمن السياسة الاقتصادية للدولة، وستقتصر هذه الدراسة على جرائم تزوير وتزييف العملة، ثم جريمة تبييض الأموال وفي الأخير الجريمة الضريبية.
01/ جرائمتزويروتزييفالعملة.
تعد النقودأوالعملةالوسيلةالأولى للمعاملاتفيما بينالأفراد داخل المجتمعات،ونظرا لأهميتهاتختصالدولةوحدها - احتكاراً -بعمليةصكها،وهيالتيتحددقيمتهامنأجلأنتضمنالثقةالتييجبأنتتوافرلهالكيتؤديدورها داخل المجتمعالاقتصادي وكذا ضمان الدولة للعائدات المالية المكتسبة من النقود، لذلك اهتم المشرعون بمكافحة جرائم التزييف والتزوير النقدي بكل أشكالها وألوانها المعروفة.
ولقد اعتبر المشرعالجزائريجرائمتزويروتزييفالعملةمنالجناياتالخطيرةوأقرلذالكعقوباتقاسيةتتناسبوالإخلالبالثقةالمتوافرةللنقود سواءبالتقليد، أوالتزويرأوالتزييف.
ولم يقتصر الاهتمام بجرائم التزوير والتقليد بالنسبة للنقود من طرف المشرعين الوطنيين بل حظيت باهتمام دولي سواء من حيث الآليات التعاقدية كالاتفاقية الأولية المبرمة بجنيف 1969 من أجل مكافحة تزييف العملة، أو من خلال الندوات والمؤتمرات الدولية للشرطة الدولية – الأنتربول- من أجل المساعدة على مكافحة هذه الجريمة على المستوى الدولي، بالتفاهم مع الهيئات المختصة في كل دولة للحؤول دون التمادي في التزوير والتقليد النقدي.
كما أن أغلبالفقهمتفق علىأنالتزويربجميعأشكالهومختلفصورههوأخطرالجرائمالتيتهددالنظامالسياسيوالاقتصاديللدول .
العواملالمساعدةعلىالتزوير:
للتطورالتكنولوجيدورمساعدكبيرفيانتشارعملياتالتزويرفيالمجتمعاتوبشكلرهيبة لدرجةتعجزالعينالمجردة التفرقةبينماهوحقيقيوماهومزور
طبيعةجرائمالتزويرالعملة:
تشكلهذهالجرائمفيالأصلجنايةلكنهاقدتكونفيحالاتأخرىجنحة فماهيجرائم التزوير التي جناياتوما هيالجرائم الأخرى التي تعدجنحا؟
سنحاولالإجابةعلى هذا السؤالمنخلال الآتي:
أولا :جناياتالتزييفللعملة.
- تحديد الإطار القانوني لجنايات التزييف والتقليد النقدي:
نصتالمادة 197 من قانونالعقوباتعلىصورجرائمتزويرالنقودوهي :التقليد -التزوير -والتزييف، وتناولت المادة 198 جرائمالإدخالأوالترويجللنقودالمزورةوالمقلدةوكذاحيازتهابسوء نيةبقصدالتعاملبها، أما المادة 199 فقدنصتعلىشروطالإعفاءمنالعقوباتالمقررةلهذهالجرائم.
من خلال ما سبق، نلاحظ أنالمشرع الجزائري لم يعرفالتزييفوإنماعددالعناصرالقانونيةالمكونةلهذهالجريمةالمتمثلة فيالتقليد والتزويروالتزييفغير أنهيمكنتعريفالتزييف بأنهكلاصطناعلعملةتقليدالعملةصحيحةوكلتلاعبفيقيمةعملةصحيحةوكذلكلكلترويجأوإدخالمنالخارجلعملةمزيفةإذاتمتهذهالأموربقصدوضعالعملةالمزيفةفيالتداولأوالغش أو الأضرار.
-أركانجناياتالتزييف:
يتطلب قيام أية جريمة من جرائم التزييف توافر أركان ثلاثة:
01- الركنالمادي،وهو وقوع فعل مادي معين، هذه الأفعالالماديةنصتعليهاالمادة 197 منالقانونوهيالتقليد، التزييف،الترويج.
التقليد،ومعناهصناعةعملةعلىمثالالعملةالصحيحة، لا يشترط فيهالإتقانوإنمايكفيالتشابهالذي يجعلهامقبولةفيالتعاملبينالناس، فيعدتقليداتشكيلقطعةعلىنحوتصيربهمماثلةلقطعةنقديةمتداولة، تقطيعأوراقمطبوعةعليهانقوشمماثلةلماتحملهالعملةالورقية، النقشعلىقطعةنقديةقديمةزالتنقوشهاالأصلية...
التزوير، يحملالتزويردلالةعامةهيتغييرالحقيقة، أما بالنسبةللنقود فهوتغييرالحقيقةفيالنقودأوأوراقماليةأوسنداتكانتفيالأصلموجودةوصحيحة .
ومن صوره،تغييرالأرقامأوالعلاماتأوالرسوماتفيالعملةأوالأوراقالمالية، وتبقى العملات الورقية الصحيحة هي وحدها التي يقع عليها فعل التزويردون العملات المعدنية.
التزييف،يقصدبهالانتقاصمنوزنالعملةالمعدنيةببردهابآلةحادةأوبطلائهابطلاءشبيهبعملةأخرىأكثر منها قيمة، ولا يقعإلاعلىعملةمعدنيةقانونيةأصلا،ويتمالتزييفمنخلالإماالانتقاصأوالتمويه – التضليل-
فالانتقاص يكونبواسطةمبردأواستعمالمادةكيميائيةأوأيمادةأخرىويضافبدلامنهمادةأقلقيمة، أما التمويهأوالتضليل،فيكونعنطريقالتلوينللنقودالمعدنيةلجعلهاشبيهةبعملةأخرىأكثرمنهاقيمة، ولانالتلوينأقلخطورةمنالانتقاص فقد اعتبرهالمشرعجنحةمنخلال 200 من قانون العقوباتيعاقبعليهبالحبسمنستة (06)أشهرإلىثلاثةسنواتوغرامةمالية .
وتجدر الإشارة إلى أن الفرقبينالتقليدوالتزييف هو أنالتقليدينتجعملةغيرصحيحةلميكنلهامنقبلوجود، أماالتزييففيفترضعملةصحيحةأصلاأدخلعليهاالتشويهكماأنالتقليدمتصورعلىعملةمعدنيةأوورقيةفيحينالتزييفيتصورفقطفيالعملةالمعدنية .
لكنالسؤالالذييطرحهناهو: متىيكونالركنالماديلجريمةالتزييفتاماً؟
يكونالركنالماديلجريمةالتزييفتاماًبارتكابفعل التقليدأوالتزييفوتحققالنتيجةفيصورةعملة مقلدةأومزيفةأومزورة.
02- محلالجريمة:
ويقصد به وقوع الفعل على عملة صحيحة، متداولة قانونا أو عرفا في البلاد قد تكون وطنية أو أجنبية.
إن موضوعجناياتالتزييفهو التزييف الذي علىعملةورقيةأومعدنيةمتداولةقانونيافيالإقليمالوطنيأوفيالخارج، كماقدتقععلىالسنداتأوالأذوناتأوالأسهمالتيتصدرهاالخزينةالعامةوتحملطابعها، ويُتطلب لقيام جريمة تزييف عملة ما أنيتوفرفيموضوعهاشرطين:
01- أنتكونعملة أساساً،
02- أنتكونذاتتداولقانونيسواء كانتهذهالعملةورقيةأممعدنية.
03- الركنالمعنوي :
تعدجرائمالتزييفمن الجرائم العمديةالتييتعينأنيتوافر فيمرتكبيهاقصدجنائيعاموآخرخاص،حيثيعلمالمتهمأنالموضوعالذيينصبعليهفعلههوعملهذاتتداولقانونيفيالجزائرأوفيالخارج، كمايجبأنيعلمبماهيةفعلهوانتتجهإرادتهإلىتحقيقالنتيجةوهيصناعةعملهغيرالصحيحة هذاعنالقصدالعامأماالقصدالخاص،فيتمثلتوجه ‘إرادة أو نيةالجاني إلىدفعالعملةغيرالصحيحةللتعامل بهاعلىأنهاعملةصحيحةأي النية فيالترويج، فيفقد الجاني سيطرتهعلىحيازةللعملةغيرالصحيحةبحيثيدفعبهاللتداولفيالمجتمعوبالتاليعدمالقدرة على إيقاف هذاالتداول.
فبمفهومالمخالفة، لايعاقبالجانيإذاكانهدفهمنتقليدالعملةتحقيقأهدافعلميةأوثقافيةأوفنيةأوتجاربهأوصناعية.
وينبه هنا إلى أننيةالترويجيجبأنتكونمتزامنةوفعلالتزييفوإلافلاعبرةبهذهالنيةوذالكتطبيقالقاعدةمفادها" وجوبمعاصرةالقصدالجانيللفعلالإجرامي"ولكنإذا دفعهذاالشخصالعملةللتداولتنفيذاللنيةاللاحقةكانمسؤولاعنجريمةالترويج.
جناياتإدخالالعملةالمقلدة أوالمزورةأوالمزيفةإلىالجزائروترويجهاأوحيازتهاأوبيعها:
نصتعلىهذهالجرائمالمادة 198 منقانون العقوباتالجزائري، ولعل المتأمللهذهالجناياتيجدأنوقوعالأولىيؤديلامحالةلوقوعالثانية، لذلك سميت بالجنايات الملحقة.
وتتطلب هذه الجنايات لقيامها أركان ثلاثةهي:
01/ الركنالمادي،ويتشكلهذاالركنبإتيان أحدالأفعالالتالية :
01- إدخالالعملةإلىالجزائروإخراجها،
02- ترويجهذهالعملة،
03- حيازةالعملةبقصدالترويج اوالتعاملبهاوكذابيعها.
01- إدخالالعملةإلىالجزائروإخراجها:يقصدبهجعلالعملةغيرالصحيحةتعبر أوتجتازالحدودالسياسيةللإقليمالجزائري.
فقد يتم تصنيعالعملةغيرالصحيحةداخلالوطن كماقديتمفيالخارجوبالتاليعمليةالإدخالوالإخراج للتعاملبهافيالأسواقالخارجية، ولايشترطأنيرتكبالجانيفعلهبنفسهأوبواسطةغيرهلكنإذاكانمدخلالعملةهونفسهالمزيففانهيرتكبجريمتينوإنكانتوقععليهعقوبةواحدةلوحدةالغرضوالارتباط.
02- الترويجللعملةالغيرالصحيحة:وهوطرحهافيمجالالتداولوالتعامل، ويتحقق الترويج باتفاق العملة في أي سبيل كان كالبيع أو الشراء أو الصيرفة أو الهبة مع العلم أنها كذلك، ولو كان قد سبق التعامل بها بالفعل فيعد مروجا،وغالبامايكونالمزورأوالمقلدهوالذييطرحالعملةللتداول .
والأصلأنمنيتلقىالنقودالمزيفةعادةمايجهلعيوبهالكنإذاكانعالمابعيوبهاوقبلهامعذلك،فهنايعدمرتكبالجريمة الترويج حتىولمتكنفيحيازةالجانيوإنمايكفيأنيبرمصفقاتمحلهاهذهالنقود.
03- الحيازة: تعدحيازةالعملةغيرالصحيحةبقصدبهالترويج لها جريمة في حد ذاتها، وترجع علة التجريم هنا إلىالخطورةالتيتنطويعليهاحيازةعملةغيرصحيحةكونأنمنحازعملةغيرصحيحةبقصدالترويجلنيترددفيدفعهاللتداول كما أن الحيازةعملممهد لعمليةالترويج،والحيازةصورةلجنايةمتميزةعنالترويجفكمالا يشترطأنيكونالمروجحائزاللنقود فإنه كذلكقديحوزالجانيالنقودبنيةترويجهادونأنيتمكنمنذالك،كانيضبطقبلأنيروجهاحيث يساءلعنجريمةتامة.
04- البيـــع:ويعنيتسويقالأوراقالماليةإذاصحهذاالتعبيرويكونالبيعبصرفهاأوتحويلهاإلىنقودأخرىأوباستبدالهابأشياءأخرى.
02/ محلالجناية، موضوعالجناية.
هوالعملة المتداولةقانونياسواءكانتمعدنيةأوورقيةوكذاالأسهموالسندات،منذلكيمكنالقولأنموضوعهذهالجنايةيفترض:
- أنالعملةذاتتداولقانونيوأنيثبتأنهذهالعملةكانتموضوعالإحدىأفعالالتقليدأوالتزييفأوالترويج .
- أنيثبتارتكابالفعلوتعلقهبعملةذاتتداولقانوني،بمعنىيكفي توفرالركنالماديومحلالجريمةدونالركنالمعنوي،كمالوكانمقلدالعملةلايهدفإلى ترويجهالأنهينويإبرازقدراتهالفنيةعلىالتقليدومهاراتهفيذالكغير أنهتتنقلهذهالعملةإلىيدشخصيقومبترويجهاوهو عالمبتقليدهافهذاالأخيرهوالمسؤولعنجريمةالترويج.
03/الركنالمعنوي:هوالقصدالجنائي وينقسم إلى قسمان قصد عام وقصد خاص، فيتطلبالقصدالعامالعلموالإرادة،أي أنعلمهينصبعلىعملةذاتتداولقانونيوأنهامقلدةأومزيفةأومزورةبعكس ماإذاكانلايعلمكأنيعتقدأنفعلهينصبعلىميدالية بالنسبةللعملاتالأجنبية،أوأنهذهالعملةقدأبطلالتعاملبهاوتداولهافهنالايتوفرالقصدالجنائيالعام.
أما القصدالخاص، فلا يتطلب فيجريمتي الترويج والبيعوإنما يتطلبفيجريمةإدخالالعملةالزائفةإلىالبلادأوإخراجهامنهاإذيتعينمعهأنيتوفرمعهقصدخاصهوقصدالترويجأوالتعاملبالنقود.فإذااستطاعأنيثبتأنهادخلهابغرضتسليمهاللسلطاتأوأنهمهتمبجمعالعملةالمزيفةلضمهالمجموعةأوعرضهافيمتحفهفإنالقصدالجنائييختفيفيهذهالحالة.
العقوباتوحالاتالإعفاءمنها:
- عقوبات جنايةالتزييف:نصتعلىذلكالمادتين(197 و198) من قانون العقوبات عندماتكونقيمةالنقودأوالمستنداتأوالأذوناتالماليةأكثرمن 500.000 دج العقوبةهيالسجنالمؤبد وأقلمن 500.000 دجالعقوبةهيالسجنالمؤقتمن 10 الى 20 سنةوالغرامة الماليةمن 1.000.000 دجو 2.000.000دج
- عقوبةالترويجوالإدخالوالإخراج:المؤبدلقيمةأكثر من 500.000دجو إذا كانت القيمةأقل من 500.000دج فالعقوبةهي 10 سنواتسجنإلى 20 سنواتوالغرامةمن 1.000.000دج إلى 2.000.000دج.
حالاتالإعفاء من العقوبة :تناول المشرع الجزائري حالات الإعفاء من العقوبة في المادة 199 من قانون العقوبات ويستفيد منه مرتكب الجناية وفقاللشروطالمنصوصعليه في المادة 52 من نفس القانون، وتتمثل هذه الحالات في الآتي:
01-إذااخبرالجانيالسلطاتعنشخصيةالجناةقبلإتمامالجنايةوقبلالبدءفيإجراءاتالتحقيق.
02- اذاسهلالقبضعلىالجناةحتىبعدبدءالتحقيق.
ثانيا/الجرائمالمخففةفيتزييفالعملة:
وهي الجرائم الموصوفة بجنح تزييف العملة، وهي أربع نصعليهاالمشرعالجزائري وألحقهابجناياتالتزييف، وهذامن أجلتوفيرأكبرقدرممكنمنالحمايةالقانونيةللعملة.
تتميز هذهالجرائم بأنهاجرائم ليستكاملةلايتوفرلهابعضأركانها، فهي لا تشكلجرائمتزييف، كماأنها لا تمثلاعتداءعلىالثقةالعامةفيالعملةولكنها تشكل تهديدا لهذهالثقةبالخطرولعل هذا هو التفسير المنطقي تجريمها وإلحاقهابجنابةالتزييف .
نصتعلىهذهالجرائمالمواد ( 200-201-201-203من قانون العقوبات) وتتمثل هذهالجرائمفي :
- تلوينالنقودذاتالسعرالقانونيفيأراضيالجمهوريةأوفيالخارج.
- قبولعملةمزيفةوالتعاملبهاعلىالرغممنالعلمبتزييفها.
- احتجازوحبسالعملةعنالتداول .
- صنعأوحيازةأدواتأوآلاتأومعداتتستعملفيالتزوير.
أولا/ تلوينالنقودذاتالسعرالقانونيفيأراضيالجمهورية أوفيالخارج:
نصت عليها المادة 200 من قانون العقوبات والعلةالمتوخاة من التجريمهيأنهذهالنقودسواءكانتمعدنيةأمورقيةيحتملأنتخدعالأفرادالمتعاملينبهافيقبلوهاعلىأنهاصحيحةتم يتبين لهم عيوبها فيالعملاتبصفةعامةسواءكانتوطنيةأوأجنبية .
أركان جريمة تلوينالنقود: هي ثلاثة أركان تتمثل في:
01) الركنالمادي:تشكلالأفعالالتاليةالركنالماديلجريمة تلوين النقود، ويشمل التلوينفيذاتهفعليالتزييفوالتقليداللذاننصتعليهما المادة 197 من قانون العقوبات لأن فعل التلوين هنا يشمل الطلاء بالنسبة للعملة المعدنية، والنقوش المماثلة للعملة الحقيقية بالنسبة للعملات الورقية، كما يشمل فعليالإصداروالإدخال المنصوص عليهما فيالمادة198 من قانون العقوبات.
وقد أشار المشرع الجزائري إلى أن التلوين والإصدار من شأنهما أن ينتجا عملة شبيهة في مظهرها بالعملة المتداولة إذا كان ذلك بغرض تضليل الأفراد فتظهر لهم على أنها اكبر من قيمتها الحقيقية.
02) محلالجريمة: محل الجريمةأوموضوعها هو العملة كانتمعدنيةأمالورقيةذاتالسعرالقانونيفيأراضيالجمهوريةالجزائريةأوفيالخارج.
03) الركنالمعنوي :ويقصد بهالقصدالجنائي،حيثيعلمالجانيبانالعملةالتييلونهاأويصدرهاأويدخلها ذاتسعرقانونيفيأراضيالجمهوريةالجزائريةأوفيالخارج،واتجاهإرادتهإلىالقيامبهذهالفعال،بمعنى أن القصدالخاصقوامهنيةالتضليلوهو مايكشفعنعلةتخفيفالعقابوإنكانتوسيلتهفيذالكخطرةعلىالثقةالعامةفيالعملة.
ثانيا/ جريمةقبولعملةمزيفةوالتعاملبهامعالعلمبتزييفهاالمادة 201 قع :
وترجع علةالتجريمإلىتعاملالشخصبالعملةوطرحهاللتداولبالرغممنعلمهبتزييفها، وهوالشيءالذيمنشأنهخداعالأفرادالمتعاملينبهاوفقدانثقتهمفيالنقودعندمايكتشفونعيوبها.
أركانجريمةقبولعملةمزيفةوالتعاملبهامعالعلمبتزييفها:
01) الركنالمادي، هوالقيام بفعل طرح النقودالمقلدةأوالمزورةأوالمزييفةأوالملونةللتداول.
02) محلالجريمة:هونقودأو أوراقنقديةمقلدةأومزيفةأومزورةأوملونةبشرطأنتكونذاتسعرقانونيفيارضالجمهوريةأوفيالخارجتعكسماإذاسحبتمنالمتداول .
03) الركنالمعنوي :يتطلبالقصدفيهذهالجريمةعلمالمتهمبأنالعملةمزورةأومزيفةأومقلدةأوملونةواتجاهإرادتهرغمهذاالعلمإلىطرحهاللتداول.
02/ جريمة تبيض الأموال
أهمية دراسة جريمة تبيض الأموال:
يقدر "جورج موسكارينو" وهو اختصاصي في شؤون الاحتيال في إحدى شركات المحاماة الأمريكية :" أن غاسلي الأموال يستخدمون 125 بلدا ولعل أنشط الدول في تجارة غسيل الأموال هي جزر "كايمن "[1].
وأن حجم الأموال المتحصلة من الأنشطة الإجرامية والتي يلجأ إلى تبيضها أو غسلها يقدر بـ 450 مليار وتريليون ونصف التريليون دولارا سنويا وحتى أكثر من ذلك، من بينها مليار دولار تتأتى من حصيلة الاتجار في المخدرات.
كما أن جريمة تبيض الأموال وإضافة إلى أنها مشكلة اجتماعية واقتصادية فهي أيضا ظاهرة إجرامية عالمية.
تحديد المصطلحات:
يطلق على جريمة تبيض الأموال عدة مسميات تؤدي نفس المعنى لهذه الجريمة، فنجد غسيل الأموال، غسيل الأموال الملوثة أو القذرة ، تطهير الأموال، الجريمة البيضاء، واستعمل المشرع الجزائري على غرار المشرع الفرنسي مصطلح تبيض الأموال Blanhiment d'argent ، أما التشريعات الانجلوسكسونية فهي تستعمل مصطلح غسيل الأموال Money launding . غير أنه يجب التفرقة بين مصطلح غسيل الأموال الناتجة عن مصادر غير مشروعة تتمثل في الجرائم ومصطلح الأموال السوداء وهي الأموال المتحصلة بوسائل مشروعة لكنه يتم الاحتفاظ بها سراً لأجل التهرب من الضرائب.
ولقد ظهر مصطلح أو تعبير غسيل الأموال لأول مرة بالولايات المتحدة الأمريكية غير أن الفقه انقسم في تحديد القصة التي يرجع إليها سبب ظهور المصطلح.
فيذهب البعض إلى القول أن سبب هذه التسمية يعود لقيام أحد التجار الكبار بتجميع أموال تجارة المخدرات من موزعيه المحليين، وكان يودعها لدى احد المصارف حيث لاحظ احد الموظفين أن النقود تفوح منها رائحة المخدرات، فأعلم الشرطة ولما وصل إلى علم التاجر أنه تم الإبلاغ عنه، حاول غسل الأموال الجديدة المتحصل عليها من المخدرات في آلة غسيل قبل إيداعها في المصرف فافتضح أمره.
ويرى البعض الآخران أساس التسمية يرجع إلى العشرينيات من القرن الـ20 في أمريكا بمدينة شيكاغو، حين اشترى أحد رجال الأعمال من عصابة المافيا ماكنات غسيل عامة، وجعل تعاملاتها من فئات العملة الصغيرة حيث كان في نهاية كل يوم يضيف إليها من أموال تجارة المخدرات ذات الفئات الكبيرة التي كان يجمعها من تجارة المخدرات.
ويعزى سبب اتساع عمليات تبيض الأموال في الوقت الحالي أساسا إلى التطور التكنولوجي الكبير في وسائل التكنولوجيا الحديثة والمرتبطة بالعولمة من انترنت وانتقال الأموال عبر الحدود السياسية والجغرافية، وكذا ظهور أنظمة الدفع الالكتروني وكذا البطاقات الذكية.
لذلك تأتي هذه المحاضرة لتبحث في ماهية هذه الجريمة، ونطاق المسؤولية عنها والجزاءات المترتبة عن إتيان هذه الجريمة من طرف الأشخاص الطبيعية كانت أم معنوية.
01- ماهية جريمة تبيض الأموال:
- التعريف القانوني لجريمة تبيض الأموال: نظم المشرع الجزائري جريمة تبيض الأموال من خلال القانون رقم 05-01 المؤرخ في 06 فبراير2005 والمتعلق بالوقاية من تبيض الأموال وتمويل الإرهاب (ج.ر.ج. رقم 11 المؤرخة في 09-02-2005.) غير أن تعريفها نصت عليه المادة 02 من ق.ع. حيث جاء فيها:" يعتبر تبيضا للأموال:
- تحويل الممتلكات أو نقلها مع علم الفاعل بأنها عائدات إجرامية بغرض إخفاء أو تمويه المصدر غير الشروع لتلك الممتلكات أو مساعدة أي شخص متورط في ارتكاب الجريمة الأصلية التي تأتت منها هذه الممتلكات على الإفلات من الآثار القانونية لفعلته.
- إخفاء أو تمويه الطبيعة الحقيقية للممتلكات أو مصدرها أو مكانتها أو كيفية التصرف فيها أو حركيتها أو الحقوق المتعلقة بها مع العلم بأنها عائدات إجرامية.
- اكتساب الممتلكات أو حيازتها أو استخدامها مع علم الشخص القائم بذلك وقت تلقيها بأنها تشكل عائدات إجرامية.
- المشاركة في ارتكاب أي من الجرائم المقررة وفقا لهذه المادة أو التواطؤ أو التآمر على ارتكابها ومحاولة ارتكابها والمساعدة على ذلك وتسهيله وإسداء المشورة بشأنه."
من خلال هذه المادة يمكن تعريف جريمة تبيض الأموال بأنها كل عمل يقصد منه إضفاء المشروعية على الأموال الناتجة عن احدي الجرائم المحددة في قانون الوقاية من تبيض الأموال وتمويل الإرهاب، سواء تم بشكل مباشر أم بشكل غير مباشر.
02- خصائص جريمة تبيض الأموال: لها خصائص عديدة منها الآتي:
- غالبا ما تكون جريمة دولية أي عابرة للحدود
- جريمة منظمة، لأنها من طبيعة مركبة فلا يتصور ارتكابها من شخص واحد أو عادي ، حيث لابد من ضلوع جهات إجرامية منظمة لها سلطة ونفوذ إقليمي أو دولي .
- جريمة من الجرائم القصدية، يلزم لتحققها القصد الجنائي العام والقصد الجنائي الخاص، فالعام هو علم الجاني بالمصدر الإجرامي للأموال غير المشروعة وان تتجه إرادته إلى القيام بأحد الأفعال المؤثمة الواردة في النص ، أما الخاص فهو إخفاء المصدر الإجرامي للأموال غير المشروعة أو مساعدة شخص ضالع في الجريمة للإفلات من المسؤولية.
- جريمة اقتصادية – مالية وتجارية- لها آثار سلبية على السياسة المالية والتجارية للدولة والمجتمع وجريمة اقتصادية لأنها تزعزع الثقة بالاقتصاد الوطني والدولي.
03- مصادر جريمة تبيض الأموال: هي كل مصدر غير مشروع يشكل جريمة يعاقب عليها القانون ويمكن تصور هذه المصادر في الآتي:
- زراعة المخدرات أو تصنيعها أو الاتجار بها،
- جرائم الإرهاب،
- التمويل أو المساهمة في تمويل الإرهاب والأعمال الإرهابية،
- الاتجار غير المشروع بالأسلحة ،
- جرائم السرقات والاختلاسات للأموال العامة أو الخاصة او الاستيلاء عليها بوسائل الاحتيال أو التزوير.
- تزوير العملة وبطاقات الدفع و الأسناد العامة أو الأسناد التجارية بما فيها الشيكات.
04- مراحل تبيض ض الأموال:
مرحلة الإيداع:
ويطلق عليها مرحلة التوظيف أو بداية التبييض، فخلال هذه المرحلة يتم إدخال الأموال القذرة في نطاق الدورة المالية قصد التخلص من السيولة المالية، كشراء العقارات مثلا.
مرحلة التمويه:
وتسمى أيضا بمرحلة التعميم أو إخفاء المصدر وتتم بواسطة عدة عمليات مالية معقدة، الهدف منها إخفاء أصل المال أو حقيقته غير المشروعة، أو على الأقل عرقلة سير التحريات والتحقيقات التي تجري بشأنه.
مرحلة الإدماج: أو الدمج،
وتتمثل في إدخال المال غير المشروع في الدورة الاقتصادية والمالية وذلك بدمج الأموال غير المشروعة مع الأموال المشروعة، فتبدو كأنها أموال ناتجة عن مصادر أو أرباح مشروعة وذلك لتغطية الجريمة الأصلية بشكل تام، وتتم باستعمال فواتير مزورة، أو الدفع بالحسابات أو استخدام بطاقات الائتمان.
05- أركان جريمة تبيض الأموال:
تقتضي جريمة تبيض الأموال توفر ثلاثة أركان هي الركن المفترض والركن المادي والركن المعنوي.
1. الركن المفترض: ويسمى أيضا بـ(المسبق)، ويتمثل في وجود جريمة أولية نتجت عنها الأموال، فجريمة تبيض الأموال جريمة تبعية يلزم لاكتمال أركانها وجود جريمة أصلية هي موضوع الأموال غير المشروعة.
وتجدر الإشارة إلى إن طبيعة هذه الجريمة الأصلية تكون إما جناية أو جنحة أو مخالفة وهذا كقراءة أولية للنص العربي، لكنه وبالرجوع للنص الفرنسي نجده يتكلم عن المواد الناتجة عن جناية "…produit d'un crime…" غير أنه وبتفحص نص المادة 389 مكرر 04 من قانون العقوبات نجدها تتكلم على مصادرة عائدات الجنح والجنايات وتستبعد عائدات المخالفات وهو ما تؤكده المادتان 20 و21 من القانون 05-01 اللتان تنصان على عائدات الجنح والجنايات، وبالتالي يمكن القول أن طبيعة الجريمة الأصلية لجريمة تبيض الأموال في التشريع الجزائري تكون جنحة أو جناية وهذا تماشيا مع قاعدة "الخاص يقيد العام" وبالاستناد إلى نصي المادتين 20 و21 من القانون 05-01 .
لكن السؤال الذي يطرح هنا كيف يمكن إثبات الجريمة الأصلية لجريمة تبيض الأموال؟
يمكننا القول انه يجب أن تثبت بصدور حكم قضائي يثبت وقوع الجريمة الأولى الأصلية، كما يجوز إثباتها بالمتابعة فقط حتى ولو لم يصدر حكم قضائي في حالة عارض من عوارض الدعوى العمومية كالتقادم، أو الوفاة أو العفو الشامل والمصالحة والحصانة أو مانع من موانع المسؤولية كصغر السن والجنون والإكراه أو في حالة الفاعل مجهول أو حالة حفظ الملف من طرف النيابة العامة، هذا عن الجريمة المرتكبة داخل الوطن، فماذا عن الجريمة المرتكبة في الخارج؟
تنص المادة 05 من القانون 05-01 على أنه :" لا يمكن المتابعة من اجل جريمة تبيض الأموال إلا إذا كانت الأفعال الأصلية تكتسي طابعا جزائيا في قانون البلد الذي ارتكبت فيه وفي الجزائر"
بمعنى حتى تكون متابعة قضائية لجريمة تبيض الأموال يجب أن يكون الفعل مجرم في البلد الذي ارتكبت فيه الجريمة الأصلية ومجرم في الجزائر.
2. الركن المادي: ويتمثل في السلوك الإجرامي حتى ولو لم تتحقق نتيجة وقوامه إحدى الصور التالية:
أ- تحويل الممتلكات أو نقلها: كشراء عقارات أو مصوغات أو غيرها بالأموال المتأتية من جريمة، أو القيام بتحويل النقود إلى عملة أجنبية ، أو تحويل المال من حساب إلى آخر ومن بلد إلى آخر وهو النقل.
ب- إخفاء المصدر الحقيقي للأموال: أو التمويه عن المصدر غير المشروع لتلك الأموال، كإدخال الأموال غير المشروعة ضمن نتائج أو أرباح شركة قانونية للتمويه عن مصدر الأموال محل التبييض.
ت- اكتساب الأموال والممتلكات أو حيازتها: ويكون عن طريق الشراء أو الهبة أو الإرث وغيره، وإما الحيازة فهي السيطرة على الأموال.
ث- المساهمة في ارتكاب فعل النقل أو التمويه ونصت على ذلك المادة 389 من قانون العقوبات وهي المساهمة في تحويل الممتلكات أو نقلها أو في إخفاء طبيعتها أو تمويهها أو اكتسابها أو حيازتها أو استخدامها.
3. الركن المعنوي: ويتمثل في القصد الجنائيبنوعيه العام والخاص، ويقتضي القصد العام معرفة الجاني بأن تلك الأموال ناتجة عن جريمة واتجاه إرادته إلى إضفاء الشرعية على العائدات الإجرامية أما القصد الخاص فيتمثل في الغاية من تحويل الممتلكات أو نقلها وصورة ذلك تظهر في إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع لتلك الممتلكات أو مساعدة أي شخص متورط في ارتكاب الجريمة الأصلية التي منها هذه الممتلكات من اجل الهروب من القضاء.
06- نطاق المسؤولية الجزائية عن تبيض الأموال: يفرق هنا بين مسؤولية الشخص الطبيعي ومسؤولية الشخص المعنوي .
01) مسؤولية الشخص الطبيعي: تتمثل عقوبة ارتكاب جريمة تبيض الأموال في الحبس من 05 سنوات إلى 10سنوات وغرامة مالية بين 100.000دج 30.000.000 دج .
تضاعف العقوبة في حالات الاعتياد أو العود الحبس من 10سنوات إلى 20سنة والغرامة من 4.000.000 دج إلى 8.000.000 دج، ويعاقب على المحاولة بنفس عقوبة الجريمة التامة.
كما يعاقب الجاني بمصادرة الأملاك موضوع الجريمة المنصوص عليها في هذا القسم بما فيها العائدات والفوائد الأخرى الناتجة عن ذلك وفي أي يد كانت إلا إذا ثبت العكس، كما قد تقضي الجهة القضائية في الحالات التي يتعذر عليها حجز الممتلكات محل المصادرة بعقوبة مالية تساوي قيمة هذه الممتلكات.
كما قد يحكم على الجاني بعقوبة أو أكثر من العقوبات التكميلية المنصوص عليها في المادة 09 من قانون العقوبات.
وإذا كان مرتكب الجريمة أجنبي مقيم بالجزائر فإنه يجوز الحكم عليه بالمنع من الإقامة على الإقليم الوطني إما بصفة نهائية أو بصفة مؤقتة لمدة لا تتجاوز 10 سنوات.
02) مسؤولية الشخص المعنوي: يعاقب الشخص المعنوي بعقوبات تتماشى وطبيعة هذا الشخص وتتمثل هذه العقوبات في الآتي:
- غرامة مالية لا تقل عن أربع مرات الحد الأقصى للغرامة المنصوص عليها في المادتين 389 مكرر01 و 389 مكرر02 .
- مصادرة الوسائل والمعدات التي استعملت في ارتكاب الجريمة و في الحالات التي يتعذر فيها على الجهة القضائية حجز الممتلكات محل المصادرة، تقضي بعقوبة مالية تساوي قيمة هذه الممتلكات، كما يمكن لها القضاء بإحدى هاتين العقوبتين:
- المنع من مزاولة نشاط مهني أو اجتماعي لمدة أقصاها 05 سنوات.
- حل الشخص المعنوي الجاني.
03/ الجريمة الضريبية:
تأخذ الجريمة الضريبية عدة صور إلا أن جميع الضرائب تشترك في صورة واحدة هي الغش الضريبي التي تتضمن بدورها وصفين : الغش الضريبي بصفته جريمة جزائية والغش الضريبي بصفته مخالفة جبائية بحتة تفرض عليها جزاءات تصدر عن الإدارة وليس عن القاضي و سنحصر دراستنا في الغش الضريبي بصفته جريمة جزائية. و كما هو الحال بالنسبة لجرائم القانون العام تشترط جريمة الغش الضريبي توافر الركنين المادي و المعنوي للجريمة [5
تعرف الجريمة الضريبية بأنها: كل نشاط ايجابيا كان أم سلبيا ينطوي على إهدار لمصلحة الضريبة او تعريضها للخطر يرتب له القانون جزاء جنائيا.
ويعرف التهرب الضريبي بأنه قيام المكلف بالضريبة من التخلص من عبئها كليا أو جزئيا دون نقل عبئها إلى الغير باستعمال وسائل وطرق مشروعة أحيانا أو غير مشروعة أحيانا أخرى تؤدي في النهاية إلى حرمان الخزينة العمومية من إيراداتها "وينقسم التهرب الضريبي إلى قسمين:
- تجنب ضريبي évasion fiscale وهو تخلص المكلف من دفع الضريبة كليا أو جزئيا دون أن يعكس عبئها على الغير متفاديا في ذلك أي مخالفة للنصوص التشريعية الجنائية، مستغلا في ذلك الثغرات القانونية التي تعتري النصوص القانونية، أو عدم الضبط في الصياغة الذي يؤوله المكلف لصالحه. أما النوع الثاني من التهرب الضريبي فهو الغش الضريبي.
- الغش الضريبي: ويقصد به مجموع السلوكيات والممارسات الهادفة لمخالفة القانون والتي يستعملها المكلف بالضريبة من اجل التهرب من أداء الضريبة كليا أو جزئيا.
لم يعرف المشرع الجزائري الغش الضريبي واكتفى بذكر مجموعة من الأفعال تمثله وذلك في قانون المالية لسنة 2006، المادة 193 من قانون الضرائب والرسوم المماثلة والمحدثة بموجب المادة 12 من قانون المالية 2006 هذه الحالات تتمثل في:
- إخفاء أو محاولة إخفاء المبالغ أو المنتوجات التي يطبق عليها الرسم أو القيمة المضافة.
- تقديم وثائق مزورة أو غير صحيحة للاستناد عليها عند طلب الحصول على تخفيض أو إعفاء أو خصم... أو الاستفادة من الامتيازات الجبائية لصالح بعض الفئات،
- التعمد بعدم قيام بقيد حسابات أو القيام بقيد غير صحيح،
- كل عمل أو فعل أو سلوك يقصد منه بوضوح تجنب أو تأخير دفع كل أو جزء من مبلغ الضريبة.
أركان جريمة التهرب الضريبي: تشترط جريمة الغش الضريبي توافر الركنين المادي والمعنوي للجريمة[2].
يتبع: اركان جريمة التهرب الضريبي
[1] -هي إقليم ما وراء البحار بريطانية تقع في غرب البحر الكاريبيوتتألف من جزر كايمان العظمىوكايمان براكوكايمان الصغرى، عاصمتها جورج تاون .وتعتبر الجزر مركزأ استثمارياً قليل الضرائب وإحدى المقاصد السياحية البارزة في العالم لأجل الغوص تحت الماء.واستعمرها البريطانيون عام 1670م. تمتعت بالحكم الذاتي ابتداء من عام 1959م ولكنها سرعان ما أُخضعت للحكم البريطاني من جديد عام 1962م.
[5] د . أحسن بوسقيعة – الوجيز في القانون الجزائي الخاص و الجرائم الاقتصادية و بعض الجرائم الخاصة – الطبعة الثانية – دار هومه – ص385 .
[2] - د . أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي الخاص و الجرائم الاقتصادية و بعض الجرائم الخاصة ، الطبعة الثانية، دار هومه ، ص385 .