I - طرح المشكل :اذا كانت اللغة اداة للفكر ، بحيثيستحيل ان يتم التفكير بدون لغة ؛ فكيف يمكن اثبات صحة هذه الفكرة؟
II - محاولة حل المشكل :
1-أ- عرض الموقف كفكرة :ان الفكر لا يمكن ان يكون له وجود دون لغة تعبر عنه ، إذ لاوجودلأفكارلا يمكن للغة ان تعبر عنا ، حيث أن هناك – حسب انصار الاتجاه الاحادي - تناسب بين الفكر واللغة ، ومعنى ذلك أن عالم الافكاريتناسب مع عالم الالفاظ ، أي ان معاني الافكارتتطابق مع دلالة الالفاظ ، فالفكرواللغة وجهان لعملة واحدة غير قابلة للتجزئة فـ« الفكر لغة صامتة ، واللغة فكر ناطق » .
1- ب- المسلمات و البرهنة: ما يثبتذلك ، ما اكده علم نفس الطفل من ان الطفل يولد صفحة بيضاء خاليا تماما من اية افكار، ويبدأ في اكتسابها بالموازاة مع تعلمه اللغة ، وعندما يصل الى مرحلة النضج العقليفإنه يفكر باللغة التي يتقنها ، فالافكار لا ترد الى الذهن مجردة ، بل مغلفة باللغةالتي نعرفها فـ« مهما كانت الافكار التي تجيئ الى فكر الانسان ، فإنها لا تستطيع انتنشأ وتوجد الا على مادة اللغة ».
ومن جهة ثانية ،فإن الافكار تبقى عديمة المعنى اذا بقيت في ذهن صاحبها ولم تتجسد في الواقع ، ولاسبيل الى ذلك الا بألفاظ اللغة التي تدرك ادراكاً حسياً ، أي ان اللغة هي التي تخرجالفكر الى الوجود الفعلي ، ولولاها لبقي كامناً عدماً ، ولذلك قيل : « الكلمة لباسالمعنى ، ولولاها لبقي مجهولاً » .
وعلى هذا الاساس، فإن العلاقة بين الفكر واللغة بمثابة العلاقة بين الروح والجسد ، الامر الذي جعلالفيلسوف الانجليزي ( هاملتون ) يقول : « الالفاظ حصون المعاني » .
2- تدعيم الاطروحة بحجج :أن اللغة تقدم للفكر القوالب التي تصاغفيها المعاني .
- اللغة وسيلة لإبراز الفكر من حيزالكتمان الى حيز التصريح .
- اللغة عماد التفكيروكشف الحقائق .
- اللغة تقدم للفكر تعاريف جاهزة ،وتزود المفكر بصيغ وتعابير معروفة
- اللغة اداةلوصف الاشياء حتى لا تتادخل مع غيرها .
3-أ- عرض منطق الخصوم :يزعم معظم الفلاسفة الحدسانيون والرمزيونمن الادباء والفنانين وكذا الصوفية ، انه لا يوجد تناسب بين عالم الافكار وعالمالالفاظ ، فالفكر اوسع من اللغة واسبق منها ، ويلزم عن ذلك ان ما يملكه الفرد منافكار ومعان يفوق بكثير ما يملكه من الفاظٍ وكلمات ٍ ، مما يعني انه يمكن ان توجدافكار خارج اطار اللغة .
ويؤكد ذلك ، ان الانسانكثيرا ما يدرك في ذهنه كما زاخرا من المعاني تتزاحم في ذهنه ، وفي المقابل لا يجدالا الفاظا محدودة لا تكفي لبيان هذه المعاني . كما قد يفهم امرا من الامور ويكونعنه فكرة واضحة بذهنه وهو لم يتكلم بعد ، فإذا شرع في التعبير عما حصل في ذهنه منافكار عجز عن ذلك . كما ان الفكر فيض متصل من المعاني في تدفق مستمر لا تسعهالالفاظ ، وهو نابض بالحياة والروح ، وهو " ديمومة " [2] لا تعرف الانقسام أوالتجزئة ، أما الفاظ اللغة فهي سلسلة من الاصوات منفصلة ، مجزأة ومتقطعة ، ولا يمكنللمنفصل ان يعبر عن المتصل ، والنتيجة أن اللغة تجمد الفكر في قوالب جامدة فاقدةللحيوية ، لذلك قيل : « الالفاظ قبور المعاني » .
3-ب نقد منطقهم :ان اسبقية الفكر على اللغة مجرد اسبقية منطقية لا زمنية ؛ فالانسانيشعر أنه يفكر ويتكلم في آنٍ واحد . والواقع يبين ان التفكير يستحيل ان يتم بدونلغة ؛ فكيف يمكن ان تمثل في الذهن تصورات لا اسم لها ؟ وكيف تتمايز الافكار فيمابينها لولا اندراجها في قوالب لغوية ؟
III - حل المشكل :وهذا يعني انه لا يمكن للفكر انيتواجد دون لغة ، وان الرغبة في التفكير بدون لغة – كما يقول هيجل – هي محاولةعديمة المعنى ، فاللغة هي التي تعطي للفكر وجوده الاسمى والاصح ، مما يؤدي بنا الىالقول ان الاطروحة السابقة اطروحة صحيحة .