ـ يخلط الكثيرون بين الزهد والتصوف ومن هنا كان تأثر الكثيرين بالتصوف, فالزهد ليس معناه هجر المال والاولاد, وتعذيب
النفس والبدن بالسهر الطويل والجوع الشديد والاعتزال في البيوت المظلمة والصمت الطويل, وعدم التزوج, لان اتخاذ مثل
ذلك نمطا للحياة يعد سلوكا سلبيا يؤدي الى فساد التصور, واختلال التفكير الذي يترتب عليه الانطواء والبعد عن العمل الذي
لا يستغني عنه اي عضو فعال في مجتمع ما, كما يؤدي بالأمة الى الضعف والتخلي عن الدور الحضاري الذي ينتظر منها
تعريف الزهد في الدنيا
تعددت عبارات السلف في تعريف الزهد في الدنيا وكلها تدور على عدم الرغبة فيها وخلو القلب من التعلق بها
قال الإمام أحمد: الزهد في الدنيا: قصر الأمل .
وقال عبد الواحد بن زيد: الزهد في الدينار والدرهم .
وسئل الجنيد عن الزهد فقال: استصغار الدنيا ، ومحو آثارها من القلب .
وقال أبو سليمان الداراني: الزهد: ترك ما يشغل عن الله .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الزهد ترك ما لا ينفع في الاخرة ، والورع ترك ما تخاف ضرره في الآخرة ، واستحسنه ابن القيم جداً .
قال ابن القيم: والذي أجمع عليه العارفون: أن الزهد سفر القلب من وطن الدنيا ، وأخذ في منازل الآخرة !! .
قال الإمام ابن القيم: والقرآن مملوء من التزهيد في الدنيا ، والإخبار بخستها قلتها ، وانقطاعها وسرعة فنائها ، والترغيب في الآخرة والإخبار بشرفها ودوامها .
ومن الآيات التي حثت على التزهيد في الدنيا:
1ـ قوله تعالى: {اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} [الحديد: 2.].
2ـ وقوله سبحانه: {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب} [آل عمران: 14] .
3ـ وقوله تعالى: {من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب} [الشورى: 2.] .
4ـ وقوله تعالى: {قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا} [النساء: 77]
5ـ وقوله تعالى: {بل تؤثرون الحياة الدنيا (16) والآخرة خير وأبقى} [الأعلى:16-17].
أحاديث الزهد في الدنيا
أما أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي رغبت في الزهد في الدنيا والتقلل منها والعزوف عنها فهي كثيرة منها:
1ـ قول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمر رضي الله عنهما: (( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل )) [رواه البخاري] .
وزاد الترمذي في روايته: (( وعد نفسك من أصحاب القبور )) .
2ـ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر )) [رواه مسلم].
3ـ وقال صلى الله عليه وسلم مبيناً حقارة الدنيا: (( ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم ، فلينظر بم يرجع )) [رواه مسلم] .
4ـ وقال صلى الله عليه وسلم: (( مالي وللدنيا ،إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قال ـ أي نام ـ في ظل شجرة ، في يوم صائف ، ثم راح وتركها )) [رواه الترمذي وأحمد وهو صحيح].
5ـ وقال صلى الله عليه وسلم: (( لوكانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ، ما سقى كافراً منها شربة ماء )) [رواه الترمذي وصححه الألباني] .
6ـ وقال صلى الله عليه وسلم: (( ازهد في الدنيا يحبك الله ، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس )) [رواه ابن ماجه وصححه الألباني] .
7ـ وقال صلى الله عليه وسلم: (( اقتربت الساعة ولا يزداد الناس على الدنيا إلا حرصاً ، ولا يزدادون من الله إلا بعداً )) [رواه الحاكم وحسنه الألباني] .
حقيقة الزهد في الدنيا
الزهد في الدنيا هو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فهو ليس بتحريم الطيبات وتضييع الأموال ، ولا بلبس المرقع من الثياب ، ولا بالجلوس في البيوت وانتظار الصدقات ، فإن العمل الحلال والكسب الحلال والنفقة الحلال عبادة يتقرب بها العبد إلى الله ، بشرط أن تكون الدنيا في الأيدي ، ولا تكون في القلوب ، وإذا كانت الدنيا في يد العبد لا في قلبه ، استوى في عينه إقبالها وإدبارها ، فلم يفرح بإقبالها ، ولم يحزن على إدبارها .
قال ابن القيم في وصف حقيقة الزهد: ( وليس المراد ـ من الزهد ـ رفضها ـ أي الدنيا ـ من الملك ، فقد كان سليمان وداود عليهما السلام من أزهد أهل زمانهما ، ولهما من المال والملك والنساء مالهما .
وكان نبينا صلى الله عليه وسلم من أزهد البشر على الإطلاق وله تسع نسوة .
وكان على بن أبي طالب ، وعبدالرحمن بن عوف ، والزبير وعثمان ـ رضي الله عنهم ـ من الزهاد مع ما كان لهم من الأموال .
ومن أحسن ما قيل في الزهد كلام الحسن أو غيره: ليس الزهد في الدنيا بتحريم الحلال ولا إضاعة المال ، ولكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك .
جاء رجل إلى الحسن فقال: إن لي جاراً لا يأكل الفالوذج ، فقال الحسن: ولم ؟ قال: يقول: لا أؤدي شكره ، فقال الحسن: إن جارك جاهل ، وهل يؤدي شكر الماء البارد ؟.
هذه عن الزهد فاما عن التصوف فحدث ولا حرج
والتصوف في البداية كان يدعُ الي الزهد الكلي - الذي هو عبارة عن تعذيب النفس كما ذكرنا - ثم انحرف الصوفية بعد ذلك الى الرقص والغناء والتبزير
فمال اليهم طلاب الدنيا لما وجدوه عندهم من لعب ولهو ورقص
ومال اليهم ايضا طلاب الاخرة من العوام لما وجدوه عندهم من زهد - زائف كاذب -منقووووووول