من أكثر العوامل التي تؤدي إلى فتور العبد عن العبادة انفراده بها دون عونٍ أو مشاركة من أحد؛ ذلك لأن الشيطان يكون عليه أقوى؛ فقد روى الترمذي -وقال الألباني: صحيح- عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّه قَالَ: ".. وَإِيَّاكُمْ وَالفُرْقَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الاِثْنَيْنِ أَبْعَدُ..".
لهذا رَغَّب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاجتماع على الطاعة والعبادة، وأولى الناس بالاجتماع هم أهل البيت الواحد، فكانت هذه السُّنَّة؛ وهي سُنَّة إيقاظ الأهل للمشاركة في صلاة قيام الليل؛ فقد روى أبو داود -وقال الألباني: حسن صحيح- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى، وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ، فَإِنْ أَبَتْ، نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ، وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا، فَإِنْ أَبَى، نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ".
فالمواظبة على قيام الليل أمر شاقٌّ، وللشيطان استعدادات كبيرة لمنع المسلم عنه، وذكر لنا ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة؛ منها ما رواه البخاري عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ..".
فتظهر هنا أهمية التعاون على حرب هذا الشيطان، ثم إن الله عز وجل وعد الذين يُواظبون على هذه السُّنَّة أجرًا عظيمًا؛ فقد روى أبو داود -وقال الألباني: صحيح- عن أَبِي سَعِيدٍ وأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما، قَالاَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَيْقَظَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّيَا، أَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَمِيعًا، كُتِبَا فِي الذَّاكِرِينَ وَالذَّاكِرَاتِ". وقد وَعَدَ الله عز وجل الذاكرين والذاكرات بالمغفرة والأجر العظيم؛ فقال: {.. وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35].
فلْيتَّفق كل زوج وزوجة على ذلك الأمر، ولْيحرص كل واحد منهما على إيقاظ الآخر لقيام الليل، ولْيتخيَّلا اسميهما وقد كُتِبَا عند الله تعالى في سجلِّ الذاكرين والذاكرات!
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].
د/راغب السرجاني