يخرج المسلم كلَّ يوم من بيته وفي ذهنه أعمال كثيرة لا بُدَّ أن تُقْضَى؛ فهذه أعمال خاصة بالمعاش والكسب، وهذه أخرى خاصة بحاجات البيت ومتطلَّباته، وهذه ثالثة خاصة بواجبات ناحية الرحم والجيران والأصدقاء، وهذه رابعة خاصة بالمجتمع الذي يعيش فيه، فهو في كلِّ خروجٍ له من المنزل مُعَرَّضٌ للتعامل مع طوائف كثيرة من الناس؛ لهذا كان من سُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقف مع نفسه وقفة قبل أن يخرج من بيته يسأل اللهَ فيها أن يُيَسِّر له هذه التعاملات، فلا يَضرُّ أحدًا، ولا يتعرَّض للضرر من أحدٍ، ولا يظلم أحدًا، ولا يتعرَّض للظلم من أحدٍ، وهكذا.
إنها وقفة جميلة تشرح الصدر قبل أن يُقْدِم المسلم على تعاملاته مع الناس، وهي سُنَّة كريمة من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد روى أبو داود -وقال الألباني صحيح- عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: مَا خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيْتِي قَطُّ إِلاَّ رَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ، أَوْ أُضَلَّ، أَوْ أَزِلَّ، أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أَظْلِمَ، أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَجْهَلَ، أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ".
فهذا جَزْمٌ من أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترك هذا الدعاء قطُّ، وهذا يُبَيِّن لنا مدى أهميته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس هذا فقط؛ بل إن هناك رواية أخرى عن أنس بن مالك رضي الله عنه تُضيف بعض الأذكار التي تُحَقِّق فائدة جديدة إلى المسلم عند خروجه من المنزل، وهي فائدة الوقاية من الشيطان! فقد روى أبو داود -وقال الألباني: صحيح- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ. قَالَ: يُقَالُ حِينَئِذٍ: هُدِيتَ، وَكُفِيتَ، وَوُقِيتَ، فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ، فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ؟".
فهكذا عرفنا هديه صلى الله عليه وسلم عند خروجه من منزله، وهكذا ينبغي لنا أن نفعل، فنحفظ أنفسَنا من شرور الإنس والجن، ونحفظ غيرَنا من شرورنا.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].
بقلم د/ راغب السرجاني