التمييز قوة نفسية تستنبط بها المعاني ،وترادف لفظةالتمييز لغويا التفرقة ، وهو فعل إرادي أوطبيعي مبني على أساس فصل الأشياء أو الموجودات عن النوع الذي ينتمي إليه لجمعهافي فئات خاصة . والتمييزهو التفريق بين الأجناس البشريةوفق أسس اللامساواة بين الأجناس، فهو حرمان مجموعة بشرية من حقوقها السياسية أو الاقتصادية والاجتماعية أو الثقافية و ممارسة ضدها أعمال مبنية على غير التساوي .
يرجع أول اتصال لاستعمار الأوروبي بجنوب إفريقيا عام 1488م وذلك حينما تمكن بارتلو ميودياز قرصان ملك البرتغال جون أن يكتشف الكاب " نعيم قداح ص22 ، ثم استوطنت أقلية أوروبية و خصوصا هولندية جنوب إفريقيا في القرن 17 و في القرن 19 احتل الانجليز هذا البلد فكانت حرب البوير 1899-1902 بين الانكليز والهولنديين القدامى على الموارد الغنية للبلاد انتهت بانتصار البريطانيين 1909م وإنشاء اتحاد جنوب إفريقيا :" مع سلطات لمقاطعات البوير والاعتراف بمحميات أسسها الانجليز لغايات قبلية بيشوا نالاند (بوتسوانا حاليا) وباسوتو'ليوسوتو) وسواريلاند .01
في بداية القرن 20 ظهر مشروع كولونيالي يدعوا إلى الانفصال عن الانجليز وتشكيل قومية استيطانية تؤكد على تميزها
العرقي الراقي . تم الاستقلال عن التاج البريطاني سنة 1911, و بقيت الأغلبية السوداء خاضعة لسيطرة العرق الأبيض.
وفي سنة 1948 بداْ الحزب الوطني الحاكم سن سياسة النظام ابارتهايد و التي تعني نظام الفصل العنصري , انتهجت هذه
السياسة في علاقته بالسكان المحليين فقسم الناس حسب ألوانهم في بلد يجمع بين عدة أعراق وألوان و11 لغة وحرمان الأغلبية السوداء من حقوقها الاقتصادية .و الاجتماعية والسياسية و الثقافية . تشكل نظام تنعدم فيه الديمقراطية و تنعدم فيه الحقوق المتساوية و تنعدم فيه الحريات للجميع و تحرم الأغلبية من حقوقها اللغوية و الثقافية و تنعدم المساواة في التعليم التكوين....
قام الفصل العنصري بين الأقلية الاستيطانية البيضاء الحاكمة وبين السكان الأصليين السود , وتفضيل البيض وأصبح السود
رعايا بدون مواطنة خاضعون لسيطرة العرق الأبيض , فصلت بلداتهم عن المدن ّالبيضاءّ , أرغموا على العيش في
أوضاع مزرية كالعبيد
وتعود العنصرية في البلاد :" إلى صراع البوير الهولنديين المزارعين مع البانتو الإفريقيين الذين يعتمدون في حياتهم على كالبوير على الزراعة والرعي ، وأدى الصراع إلى حروب دموية ،أدى هذا التعادي إلى انعزال البوير في جمهوريات صغيرة ضد السواد الأعظم من الإفريقيين والى نشوء التفرقة العنصرية أو الابارتهايد " .02
تجلت هذه السياسة العنصرية فــــــــي :
- إن التعليم الإجباري بالنسبة للبيض من 7 سنوات إلى 16 سنة بينما ليس من حق الجناس الأخرى التعليم..يقتصر فقط
على المدارس الابتدائية التي تخرج العمال اليدويين والخدم وغيرها من الوظائف ذات الأجور الضئيلة التي لا يلتفت إليها البيض. وهذا حسب توضيحات وزير الشؤون الإفريقية عام 1953 :" انه لا يمكن للعلاقات بين الأجناس أن تاخد شكلها الطبيعي إذا أعطينا للإفريقي التعليم الذي لا يناسب مع تفكيره ... لان من شان تعليم الإفريقي أن يخلق لديه أمالا لا تسمح الظروف القائمة في جنوب إفريقيا بتحقيقها، إن تعليم الإفريقي يجب أن يكون تحت رقابة الدولة متماشيا مع سياستها." ص 47، فكانت مناهج التعليم الخاصة بالإفريقي تخدم كلها سياسة التميز العنصري.
- منع غير البيض من التملك في المناطق المخصصة للبيض
- منع غير البيض من الإقامة في هذه المناطق إلا إذا كانوا مستخدمين عن طريق مكتب العمل لدى رجل ابيض.
- على غير الأبيض الذين كانوا منذ مئات السنين في المناطق التي خصصتها القوانين للبيض، بيع ممتلكاتهم وتصفية أعمالهم تمهيدا للانتقال إلى المناطق أخرى حددتها السلطات وفق قوانين عنصرية.
- منع غير البيض من ارتياد دور السينما والمقاهي والمطاعم والمنتزهات المخصصة للبيض .
- يفصل غير البيض لدى ركوبهم سيارات النقل بجلوسهم في المؤخرة.
- منع سفر غير البيض إلى خارج البلاد وحظر تنقلهم في الداخل بإجازات مرور .
- حظر زواج البيض من غير البيضاء وحظر زواج غير البيضاء من أي ابيض.
- منع ممارسة الحق النقابي والإضراب للإفريقي
- يفرض التمييز العنصري في النوادي الرياضية والفرق
- يمنع تساوي الأجور بين الأبيض وغيرهم وتبلغ نسبة التفاوت في الصناعات الإستراتجية من 15 إلى 1 والتحويلية من 5 إلى 1
ولقد بدأت الحركة النضالية ضد الاستيطان العنصري منذ الأيام الأولى لقدوم المستعمر، وقفت الأقلية البيضاء فيه بجانب المستعمر الانجليزي للقضاء على حركة التحرر المحلية .
- البلد اليوم يقترن بنيلسون مانديلا الذي نشط في حزب المؤتمر الإفريقي والذي تشكل رسميا 08/01/1912 كان هدفه إقناع الأوربيين بمنح الافرقيين حقوقا على قدم المساواة مع البيض وتطوير السكان الوطنيين في جميع المجالات ، وتحقيق الوحدة وخلال فترة 1912و1949 اقتصر على إتباع سياسة اللاعنف بتقديم العرائض وإرسال الوفود إلى لندن إلى بريتوريا وفرساي ومع سنة 1942 اخرج الحزب من حالة الجمود من خلال تنظيم المظاهرات وتحدي القوانين العنصرية حيت "امتلات السجون بنحو 9000 وطني سنة 1952 " 01
وقد حكم على نيلسون مانديلا في جوان 1964 بعقوبة السجن المؤبد حيث قضى 18 عاما في سجن كيب تاون وفي سنة 1985 نقل مانديلا إلى سجن بولسمور وحينها بدأت مرحلة المفاوضات مع الأبيض وكانت مطالبه كالتالي :
- إطلاق سراح السجناء السياسيين
- رفع الحظر عن حزب المؤتمر الإفريقي وبقية المنظمات المحظورة .
- السماح بعودة المبعدين إلى البلاد
ويصرح الرئيس الأسبق لجنوب إفريقيا فريدريك دي كليرك :" لقد قمت بذلك لأنه البديل الوحيد لوقف حمام الدم في جنوب إفريقيا ... والدافع الرئيسي وراء قرار التفاوض هو تصحيح أخطاء الماضي " 02
ولقد اعتبر ابارتهايد من أسوء و أبشع إشكال العنصرية دام نظام الفصل العنصري من 1948 إلى 1991 حيث اعترف البيض بفشله, وتم تشكيل ّ لجنة الحقيقة و المصالحة ّ التي ترأسها الأسقف دزموند توتو , وفي 1994 أفرزت الانتخابات عن رئيس من أبناء البلد الأصليين و احد ابرز المقاومين للنظام العنصري و رئيس المؤتمر الوطني الإفريقي المناضل نيلسون مانديلا بعد قضائه في السجن مدة 28 سنة . ليسدل الستار عن سيطرة الرجل الأبيض بالدولة فكان رحيل الاحتلال و بقاء المحتلون.
ولقد دعمت الجزائر حركة التحرر بجنوب إفريقيا حيث تلقى منديلا تدريبا في معسكراتها فلما أطلق سراحه طلبت منه الولايات المتحدة الأمريكية أن يقطع علاقاته مع كوبا وليبيا ومنظمة التحرير فكان جوابه للرئيس الأمريكي جورج بوش الأب :" عندما كنا نناضل جئناكم طلبا للمساعدة لكنكم رفضتم ودعمتم حينها نظام الميز العنصري، أما هؤلاء الناس فقد دعمونا بكل السبل ولذا فسيكون من غير الأدب الآن أن نقول لهم شكرا جزيلا على ما فعلتم ، فلم نعد أصدقاء".03
جنوب إفريقيا اليوم تعداد سكانها 43 مليون نسمة 80%سود و9 % بيض، ورغم حصول الأغلبية على الديمقراطية إلا انه لازالت بقايا هذا النظام جلية،في انتظار إعادة المسكن والأرض والتي وعدت الحكومة بإعادة 30% منها للسود حتى عام 2014 م فلقد عادت 3 % ما زالت 78% من الأراضي ملكيتها للبيض ، وهناك 1 من 10 أشخاص من السود راض عما أنجزته الحكومة في توفير الوظائف
وبالرجوع إلى سنة 1948 نجد انه خلال هذه الفترة تجلت مظاهر التمييز العنصري في الجانب التعليمي بإنشاء مدارس منفصلة لكل عرق حيث لكل منهم مدارسه الخاصة ومناهجه التعليمية الخاصة ، والتي كانت في معظم الأحيان تؤهل السود للأعمال الدونية في مدارس بميزانيات أقل ، وكتب غير مجانية في حين الأبيض كان من نصيبه التعليم والمهارات المتقدمة والمدارس الأرقى . فيرى الأخصائيون اليوم أنه لابد من 20سنة لخلق فرص تعليم متساو لإلغاء الإرث الاستعماري.
"إننا نقتل أنفسنا حين تضيق خياراتنا في الحياة