بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على اشرف المرسلين نبينا محمد الذي قام بعبادة ربه ونصح امته فصلوات الله وسلامه عليه وعلى اصحابه والتابعين لهم باحيسان الى يوم الدين
اما بعد:هذا نص مطوية لسماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- يقدم فيها نصائح حين وضع الاختبارات و حين تصحيحها،نقلته لكم راجيا ان تستفيدوا عامة ويستفيد اهل الاختصاص خاصة ان شاء الله.
يقول رحمة الله عليه:
أيُّها المسلمون:
فقد قال -عزَّ وجلَّ-: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النِّساء: 58]، وقال -جلَّ ذكره-: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا} [الأحزاب: 72].
سبحان الله ما أظلم الإنسان وما أجهله
تعرض الأمانة على السَّماوات والأرض والجبال فيمتنعن عن حملها ثمَّ يتحمَّلها الإنسان نعم إنَّ الإنسان هو الَّذي تحملها بما وهبه الله من عقلٍ وما أعطاه من إرادةٍ وتصرِّفٍ {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172].
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الرُّوم: 30].
أيُّها المسلمون:
إنَّ الأمانة مسئوليةٌ عظيمةٌ وعبءٌ ثقيلٌ على غير من خففه الله عليه.
إنَّ الأمانة التزام الإنسان بالقيام بحقوق النَّاس من غير تقصيرٍ كما يجب أن يقوموا بحقوقه من غير تقصيرٍ.
ونحن بني الإنسان قد تحمَّلنا الأمانة وحملناها على عواتقنا والتزمنا بمسئوليتها وسنسأل عنها يوم القيامة.
فياليت شعري ما هو الجواب إذا سئلنا في ذلك اليوم العظيم اللهمَّ إنَّا نسألك تثبيتًا وصوابًا.
أيُّها المسلمون:
إنَّ الله أمرنا أن نؤدِّي الأمانات إلى أهلها وأمرنا إذا حكمنا بين النَّاس أن نحكم بالعدل هذان أمران لا تقوم الأمانة إلا بهما أداء الأمانات إلى أهلها والحكم بين النَّاس بالعدل.
وإنَّنا على أبواب اختبار الطَّلبة من ذكورٍ وإناثٍ وإنَّ الاختبارات أمانةٌ وحكمٌ، فهي أمانةٌ حين وضع الأسئلة وأمانة حين المراقبة وهي حكم حين التَّصحيح.
أمانة حين وضع الأسئلة مراعاتها بحيث تكون على مستوى الطلبة المستوى الَّذي يبيِّن مدى تحصيل الطالب في عام دراسته بحيث لا تكون سهلة لا تكشف عن تحصيلٍ ولا صعبةٍ تؤدِّي إلى التَّعجيز.
والاختبارات أمانةٌ حين المراقبة فعلى المراقب أن يراعي تلك الأمانة الَّتي ائتمنته عليه إدارة المدرسة ومن ورائها وزارة أو رئاسة وفوق ذلك دولة بل ائتمنه عليها المجتمع كلّه.
فعلى المراقب أن يكون مستعينًا بالله يقظًا في رقابته مستعملًا حواسه السَّمعيَّة والبصريَّة والفكريَّة يسمع وينظر ويستنتج من الملامح والإشارات على المراقب أن يكون قويًّا لا تأخذه في الله لومة لائمٍ.. يمنع أي طالبٍ من الغشِّ أو محاولة الغشِّ؛ لأنَّ تمكين الطَّالب من الغشِّ غشٌّ وخيانة وتمكين الطالب من الغش تكمين من أمرٍ محرِّمٍ.
وقد قال النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «ومن غشَّنا فليس منَّا» [رواه مسلم 101].
وإنَّ تمكين الطَّالب من الغشِّ ظلمٌ لزملائه الحريصين على العلم المجدِّين في طلبه الَّذين يرون من العيب أن ينالوا درجة النَّجاح بالطرق الملتويَّة.
إنَّ المراقب إذا مكَّن أحدًا من أولئك المهملين الفاشلين في دراستهم، إذا مكَّنه من الغشِّ فأخذ درجة النَّجاح يتقدَّم بها على الحريصين الجادين كان ظلمًا لهؤلاء الحريصين الجادين، وكان ذلك ظلمًا للطَّالب الغاشِّ وهو فى الحقيقة المغشوش حيث انخدع بدرجة نجاحٍ وهميَّةٍ لم يحصل بها على ثقافةٍ ولا علمٍ، ليس له من الثَّقافة والعلم سوى هذه البطاقة الَّتي يحمل بها شهادة زيفٍ لا حقيقةٍ.
وإذا بحثت معه في أدنى مسألة ممَّا تنبئ عنه هذه البطاقة لم تحصل منه على علمٍ.
إنَّ تمكين الطَّالب من الغشِّ خيانةٌ لإدارة المدرسة وخيانةٌ للوزارة أوِ الرِّئاسة الَّتي من ورائها وخيانةٌ للدَّولة وخيانةٌ للمجتمع كلِّه.
وإنَّ تمكين الطَّالب من الغش أو تلقينه الجواب بتصريحٍ أو تلميحٍ ظلمٌ للمجتمع وهضمٌ لحقِّه حيث تكون ثقافة المجتمع ثقافةٌ مهلهلةٌ يظهر فشلها عند دخول ميادين السِّباق ويبقي مجتمعنا دائمًا في تأخرٍ وفي حاجةٍ إلى الغير ذلك؛ لأنَّ كلَّ من نجح عن طريق الغشِّ لا يمكن إذا رجع الأمر إلى اختياره أن يدخل مجال التَّعليم والتَّثقيف لعمله أنَّه فاشلٌ فيه، إنَّ تمكين الطَّالب من الغشِّ كما يكون خيانةً وظلمًا من النَّاحية العلميَّة والتَّقديريَّة كذلك يكون خيانةً وظلمًا من النَّاحية التَّربويَّة؛ لأنَّ الطَّالب بممارسته الغشِّ يكون مستسيغًا له هينًا في نفسه فيتربى عليه ويتربى عليه أجيال المستقبل ومن سنَّ في الإسلام سنَّةً سيِّئةً فعليَّةً وزرها ووزر من عمل بها إلي يوم القيامة.
إنَّ على المراقب أن لا يراعي شريفًا لشرفه ولا قريبًا لقرابته ولا غنيًّا لماله.
إنَّ عليه أن يراقب الله -عزَّ وجلَّ- الَّذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصُّدور.
عليه أن يؤدِّي الأمانة كما تحملها أنَّه مسؤولٌ عنها يوم القيامة.
ولربما قال مراقب إذا أدَّيت واجب المراقبة إلى جنب من يضيع ذلك فقد أرى بعض المضايقات.
فجوابنا عليه أن نقول اتَّق الله -تعالى- فيما وليت عليه واقرأ قوله -تعالى-: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطَّلاق: 2].
وقوله: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطَّلاق: 4].
وقوله: {فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: 49].
أيُّها المسلمون: إنَّ الاختبارات حكمٌ حين التَّصحيح
فإنَّ المعلم الَّذي قدَّر درجات أجوبة الطَّلبة ويقدر درجات سلوكهم هو حاكمٌ بينهم؛ لأنَّ أجوبتهم بين يديه بمنزلة حجج الخصوم بين يدي القاضي.
فإذا أعطى طالبًا درجات أكثر ممَّا يستحق فمعناه أنَّه حكم له بالفضل على غيره مع قصوره وهذا جورٌ في الحكم.
وإذا كان لا يرضى أن يقدم على ولده من هو دونه فكيف يرضى لنفسه أن يقدم أولاد النَّاس من هو دونهم.
إنَّ من الأساتذة من لا يتَّق الله -عزَّ وجلَّ- في تقدير درجات الطَّلبة فيعطي أحدهم ما لا يستحق إمَّا لأنَّه ابن صديقه أو ابن قريبه أو ابن شخص ذي شرفٍ أو مالٍ ورئاسةٍ، ويمنع بعض الطَّلبة ما يستحقه من الدَّرجات إمَّا لعداوةٍ شخصيَّةٍ بينه وبين الطَّالب أو بينه وبين أبيه أو لغير ذلك من الأغراض السَّيِّئة.
وهذا كلُّه خلاف العدل الَّذي أمر الله به ورسوله فإقامة العدل واجبةٌ بكلِّ حالٍ على من تحبُّ ومن لا تحبُّ فمن استحق شيئًا وجب إعطاءه إيَّاه، ومن لا يستحق شيئًا وجب حرمانه منه.
أرسل النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- عبد الله بن رواحه إلى اليهود في خيبر ليخرص عليهم الثِّمار الزُّروع ويضمنهم ما للمسلمين منها فأراد اليهود أن يعطوه رشوةً فقال رضي الله عنه منكرًا عليهم: "تطعموني السُّحت والله لقد جئتكم من عند أحبِّ النَّاس إليَّ يعني رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- ولأنتم أبغض إليَّ من عدتكم من القردة والخنازير ولا يحملني بغضي لكم وحبِّي إيَّاه أن لا أعدل عليكم"، فقال اليهود: "بهذا قامت السَّماوات والأرض".
أيُّها المسلمون:
تأملوا رحمكم الله هذا الكلام العظيم من عبد الله بن رواحه -رضي الله عنه- كان يحبُّ النَّبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أعظم من محبَّة أي إنسانٍ ويبغض اليهود أشدّ من بغض القردة والخنازير، حبٌّ بالغٌ للنَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وبغضٌ شديدٌ لليهود يصرِّح بذلك -رضي الله عنه- لليهود ثمَّ يقول لا يحملني بغضي لكم وحبِّي إيَّاه أن لا أعدل عليكم.
رضي الله عنك يا عبد الله بن رواحة وروضي الله عن جميع الصَّحابة ورضي الله عن جميع التَّابعين لهم بإحسانٍ.
إنَّ العدل أيُّها الأخوة لا يجوز أن يضيع بين عاطفة الحبِّ وعاطفة البغض.
يقول الله -عزَّ وجلَّ-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8].
يقول -تعالى- لا يحملنَّكم بغض القوم على أن لا تعدلوا اعدلوا ولو كنتم تبغضونهم هو أقرب للتَّقوى. ويقول -جلَّ وعلا-: {وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9]
{وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجنّ: 15]
- القاسطون: هم الجائرون وهم من حطب جهنم.
- والمقسطون: هم العادلون وهم من أحباب الله.
وفي الحديث: الصَّحيح عن النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-، أنَّه قال: «إنَّ المقسطين عند الله على منابر من نورٍ عن يمين الرَّحمن -عزَّ وجلَّ- وكلتا يديه يمين؛ الَّذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا» [رواه مسلم 1827].
وقال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «وأهل الجنَّة ثلاثة: ذو سلطانٍ مقسطٌ متصدقٌ موفقٌ، ورجلٌ رحيمٌ رقيقٌ القلب لكلِّ ذي قربى، ومسلم. وعفيف متعفف ذو عيال» [رواه مسلم 2865].
فاتَّقوا الله عباد الله وكونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين أو الأقربين.
وأنتم أيُّها الشَّباب الطَّلبة:
لا تنزلوا بأنفسكم إلى الحضيض
لا تنالوا تلك الشَّهادات بالغشِّ والخيانة
أربؤوا بأنفسكم عن مثل هذه الأخلاق
كونوا قوامين لله بالقسط
لا تصلوا إلى درجات لا تبلغوها على وجه الحقيقة
إنَّ الأمر خطيرٌ، إنَّ الإنسان لو اعتمد على شهادةٍ مزيفةٍ وصار له راتبٌ من أجل هذه الشَّهادة فإنَّه خطرٌ إنَّه يخشى أن يكون أكلُّه لهذا المال أكلًا للمال بالباطل، فاتَّق الله أيُّها الشَّابُّ ولا تحرم نفسك أن تكون من المصلحين الَّذين يريدون بعلومهم وجه الله والدَّار الآخرة.
اللهم وفقنا جميعًا لأداء الأمانة والحكم والعدل والاستقامة.
اللهمَّ ثبتنا جميعًا على الهدى وجنبنا أسباب الهلاك والرَّدى
إنَّك جوادٌ كريمٌ برٌّ رحيمٌ
اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمِّدٍ خاتم النَّبيِّين وإمام المتَّقين وعلى آله وأصحابه أجمعين.