مقدمة
بعد تعرضنا سابقا للمذاهب الشكلية فقد عرفنا أنها تقتصر على المظهر الخارجي للقاعدة القانونية ، وعلى خلافها فإن المذاهب الموضوعية لم تقف عند ذلك بل هي تنظر في جوهر القانون وموضوعه والتعرف على طبيعته وكيفية نشأته ، وتكشف عن العوامل الإجتماعية التي تؤثر في تكوين القاعدة القانونية .
غير أن أنصار المذاهب الموضوعية وإن كانوا قد اتفقوا في الإهتمام بجوهر القاعدة القانونية إلا أنهم قد اختلفوا من حيث مضمونه ، مما أدى الى ظهور مدرستين في هذا الشأن : مدرسة مثالية ترى أن جوهر القانون هو المثل الأعلى للعدل الذي يستخلصه الإنسان بعقله . ومدرسة واقعية ترى أن جوهر القانون هو الواقع الملموس الذي تثبته المشاهدة وتؤيده التجربة(1) . والتيار المثالي بدوره يكاد ينحصر في مذهب القانون الطبيعي ، ومذهب القانون الطبيعي ذو المضمون المتغير(2)، بحيث يندرج القانون الطبيعي تحت التيار المثالي لينتج عنه بعد محاولة إحياءه وتطويره مذهبي القانون الطبيعي ذو المضمون المتغير و جمهورالفقهاء. فماهو مذهب القانون الطبيعي ؟ وماهي أهم منعطفات تطوره ؟
وللإجابة على هذه الإشكاليات إقترحنا الخطة التالية :
خطة البحث :
• مقدمــــة
• المبحث الأول: مذهب القانون الطبيعي
المطلب الأول: التدرج الفكري للقانون الطبيعي
المطلب الثاني : الإنتقادات الموجهة لمبادئ القانون الطبيعي
• المبحث الثاني : حركة إحياء القانون الطبيعي
المطلب الأول : القانون الطبيعي ذو المضمون المتغير
المطلب الثاني: مذهب جمهور الفقهاء في اعتبار القانون
الطبيعي موجه مثالي للعدل
• خاتمة
(1)- د.إبراهيم أبو النجا ، محاضرات في فلسفة القانون ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الساحة المركزية ، بن عكنون ، الجزائر، الطبعة الثالثة ، 1992 ، ص : 48
(2)- د.فاضلي ادريس ، الوجيز في فلسفة القانون ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الساحة المركزية ، بن عكنون ، الجزائر، 2003 ، ص :118
المبحث الأول : مذهب القانون الطبيعي
لقد عرف الإنسان منذ القدم أن هناك قانون أسمى من القوانين الوضعية و هذه الفكرة تعبر عن نزعة الإنسان إلى الكمال ، و هي ليست من صنع الإنسان بل هي قواعد أبدية ثابتة أودعها الله في الكون ليستنبط الإنسان قواعده بحركات عقلية ، لقد سمى هذا القانون بالقانون الطبيعي ، مما جعل المفكرين يهتمون لهذا القانون و وضعوه مقياسا لمدى عدل و كمال القوانين الوضعية .(1)
• المطلب الأول : التدرج الفكري للقانون الطبيعي :
لقد شهدت فكرة القانون الطبيعي تطورا مستمرا مع مرور الوقت ،وذلك التطور لم يشمل مفهومها التقليدي فحسب بل مضمونها و محتواها لأجل خدمة أهداف معينة وسنحاول حصر هذا التطور في أربعة وقفات تاريخية محددة كالتالي :
الفرع الأول : القانون الطبيعي عند اليونان :
تأمل الفلاسفة الإغريق النظام الثابت الذي يسير عليه الكون و قالوا بوجود قانون أعلى يحتوي على قواعد خالدة ليست مكتوبة و ليست من صنع الإنسان و ثابتة للزمان و المكان و هذه القواعد تحكم الظواهر الطبيعية و العلاقات بين الناس على حد سواء .
و على ذلك فإن هؤلاء الفلاسفة نادوا إلى وجوب التقيد بقواعد القانون الطبيعي والتحرر من إرادة الدولة لأن القانون الطبيعي أسمى من هذه الإرادة . غير أن الفيلسوف سقراط أوجب الطاعة للقوانين الوضعية ولو كانت ظالمة وذلك خشية أن يعصي الناس القوانين الوضعية بحجة عدم موافقتها لمبادئ القانون الطبيعي .(2)
(1)- د.حسان هشام ، محاضرات في فلسفة القانون ، معهد العلوم القانونية والإدارية ، المركز الجامعي زيان عاشور ، الجلفة ، ألقيت على طلبة السنة الأولى ، 2007/2008 ، بتصرف
(2)- د.إبراهيم أبو النجا ، المرجع السابق ، ص : 5
الفرع الثاني : القانون الطبيعي عند الرومان :
تأثرالرومان بفكرة القانون الطبيعي كفكرة قانونية بعدما كانت فلسفية عند اليونان فالقانون الطبيعي عندهم ينطبق على كافة الشعوب لأنه أعلى من القوانين الوضعية و سابق على وجودها.
فنجد (شيشرون) يعتقد بوجود عدل أعلى من النظم و القوانين الوضعية ،و بوجود قانون ثابت خالد مرافق للطبيعة و للعقل القويم ينطبق على الناس كافة و ثابت على وجه الدوام، و يعتبره القانون الحقيقي الذي لا يتغير من روما إلى أثينا و لا من اليوم إلى الغد .
في نفس المعنى يضيف (جوستينيان) قائلا : " القانون الطبيعي هو السنن التي ألهمتها الطبيعة لجميع الكائنات الحية و أنه ليس مقصورا على الجنس البشري بل هو سار على جميع الأحياء مما يحوم في الهواء أو يدب في الأرض أو يسبح في الماء " .(1)
و قد فرق الفقهاء الرومانيين بين القانون الطبيعي من جهة و كلا من القانون المدني و قانون الشعوب من جهة أخرى و لكن اعتبروا القانون الطبيعي هو المثل الأعلى الذي تستمد منه قواعد الشعوب .
الفرع الثالث : القانون الطبيعي عند الكنسيين في العصور الوسطى :
أصبحت فكرة القانون الطبيعي في القرون الوسطى ذلك القانون الإلهي الذي يسمو على القانون الوضعي أي اصطبغت بصبغة دينية في كنف الكنيسة المسيحية ورجالها ، فالقديس (توماس الإكويني) كان يفرق بين ثلاثة أنواع من القوانين بعضها فوق بعض يعلوها القانون الإلهي و يليه القانون الطبيعي ثم القانون الوضعي. فالأول يمثل مشيئة الله و يصل إلى الناس عن طريق الوحي و القانون الطبيعي يشمل القواعد التي يمكن للعقل الإنساني اكتشافها و إدراكها و يوجد في الرتبة الثالثة القانون الوضعي فهو من صنع الإنسان ، و يرى توماس بأن القانون الوضعي لا يكون عادلا إذا ما تعارض مع قواعد القانون الطبيعي و مع ذلك فإنه يوجب طاعته تغليبا للمصلحة العامة غير أنه إذا خالف القانون الوضعي قواعد القانون الإلهي فإن طاعته لا تجب، ولا طاعة للقانون الوضعي في معصية القانون الإلهي ، و الملاحظ هنا أن إخضاع السلطان المدني للسلطان الديني كان بقصد تدعيم و تقوية سلطة الكنيسة .
(1)- د.إبراهيم أبو النجا ، المرجع السابق ، ص : 54
(2)- د.فاضلي ادريس ، الوجيز في فلسفة القانون ، المرجع السابق ،ص : 129
الفرع الرابع : القانون الطبيعي في العصر الحديث :
أ/عودة فكرة القانون الطبيعي في القرنين 17 و 18 بعد إختفاءها في القرن 16:
بعد أن انقضت العصور الوسطى وزال عهد الإقطاع، وبدأت تتكون الدول الحديثة فظهر مبدأ سيادة الدولة الذي أطاح بسيادة الكنيسة . وقد قام فريق من الكتاب والفلاسفة في القرن16 بالدعوة لهذا المبدأ ومناصرته و من أشهرهم : ميكيافيلي في إيطاليا ، و بودان في فرنسا .
فميكيافلي من خلال كتابه (الأمير) أعطى للحاكم كل الوسائل لدعم سلطته (الغاية تبرر الوسيلة) ، أما بودان فكان يدعو إلى سيادة مطلقة وفي سبيل ذلك أحل لصاحب السلطان أن يتحلل من القوانين التي يفرضها على رعاياه، فالحاكم فوق القانون(1).
لقد نتج عن المغالاة في تصوير فكرة سيادة الدولة ، إختفاء فكرة القانون الطبيعي خلال القرن 16، وطغت سلطة الدولة على حقوق الأفراد وحرياتهم في الداخل، وسادة القوة في تنظيم علاقاتها مع الدول الأخرى في الخارج .
وهذا ما أدى إلى الحاجة مرة أخرى إلى فكرة القانون الطبيعي وقد ازدهرهذا الأخير في القرنين 17-18 بسبب تحرر الدول الأوربية من هيمنة الكنيسة. ودعا الفقهاء آنذاك إلى وضع قوانين تصون حقوق الأفراد و حرياتهم بعيدا عن إستبداد الحكام وكذا إخضاع المجتمع الدولي لقواعد أساسها العدل و المساواة .
وكان الرائد آنذاك الفقيه الهولندي(جروسيوس) الذي أصدر كتابا عن الحرب و السلم بعنوان (قانون الحرب) سنة1625 حيث عرف فيه القانون الطبيعي بأنه :
" القواعد التي يوحي بها العقل القويم والتي بمقتضاها يمكن الحكم، بأن عملا ما يعتبر ظالما أو عادلا تبعا لكونه مخالفا أو موافقا لمنطق العقل ، وهو و ليد العقل و وليد الطبيعة يكسب منها صفة الوحدة و الثبات و الخلود ، فلا يتغير بتغير الزمان أو المكان (والله نفسه لا يملك بذلك تغييره) لأن القانون الطبيعي قانون مستخلص من الطبيعة، ومن العقل، ليسبق القوانين الوضعية و يعلو عليها و من ثمة فالعقل يفرض وجود حقوق لصيقة بالإنسان تولد معه ، فهذه الحقوق هي مبدأ أساسي من مبادئ القانون الطبيعي لا تستطيع القوانين الوضعية أن تتجاهله ، ومع ذلك لم يتحرر هذا الفقيه حينما أقر الفتح والغزو ونظام الرق من تأثير عصره ، والحرية في رأيه وإن كانت من أهم الحقوق إلا أنه يمكن النزول عنها بموجب معاهدة أو عقد كما يمكن فقدانها نتيجة الهزيمة في الحرب أو الوقوع في الأسر(2).
(1)- د.فاضلي إدريس ، مدخل الى المنهجية و فلسفة القانون ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الساحة المركزية ، بن عكنون ، الجزائر ، 2003، ص : 153-154
(2)- د.إبراهيم أبو النجا ، المرجع السابق ، بتصرف ، ص : 63
ب/القانون الطبيعي والعقد الإجتماعي :
إعتبر الفقهاء والمفكرين أن هذا الأخير هو أساس قيام الدولة التي نادى بها على الخصوص كل من الفلاسفة : الإنجليزيان (هوبز) و( لوك) و الفرنسي (جون جاك روسو ) ، فكان الأفراد يسيرون وفقا لغرائزهم وأهوائهم هذا الشيء الذي أدى إلى الفوضى وعدم الإستقرار وسيطرة الأنانية و تحكم القوة ، ومن أجل البقاء و الدفاع عن النفس اتفق الناس فيما بينهم على التنازل عن حرياتهم بالقدر اللازم لقيام جماعة منظمة يعيشون في ظلها ، فهؤلاء الفلاسفة يجمعون على أن العقد هو أساس نشأة الدولة وأساس وجود المجتمع السياسي ، إلا أن تحديد الأطراف والأثار المترتبة عليه كانت محل خلاف.
فهوبز يرى أن الحاكم ليس طرف في العقد فالأطرف تنازلوا عن حقوقهم و حرياتهم إلى الحاكم حتى يحقق لهم الأمن و النظام من خلال السلطة المطلقة التي يتمتع بها كما يرى بأن القانون الطبيعي يلزم الأفراد بطاعة الحاكم ، والحقيقة أن رأي هوبز يؤدي إلى الإستبداد المطلق للحاكم و يؤيد النظام الملكي الذي كان يحكم إنجلترا ، أما الفيلسوف لوك استخدم فكرة العقد الإجتماعي كوسيلة لمقاومة إستبداد الملوك ، أما الفيلسوف الفرنسي روسو فكان مبدأه أن لا سلطان إلا للشعب ولذلك إستخدم العقد الإجتماعي كأداة لإنكار حق الملوك في السيادة و إنكار حكم الفرد و بمقتضى العقد الإجتماعي الذي أبرم بين أطراف الشعب حيث يتنازلون فيه عن حرياتهم الطبيعية المطلقة مقابل حريات مدنية محدودة . (1)
وقد بلغت نظرية القانون الطبيعي أوج مجدها في أواخر القرن 18 وبداية القرن 19 . فقامت الثورة الفرنسية تحت شعار ( الدفاع عن الحريات والحقوق الطبيعية للإنسان ) وبذلك أصبح القانون الطبيعي مذهبا رسميا تضمنه إعلان رسمي هو( حقوق الإنسان و المواطن) سنة 1789 .(2)
(1)- د.فاضلي إدريس ، مدخل الى المنهجية و فلسفة القانون، المرجع السابق ، ص : 158-159-160
(2)- د.فاضلي ادريس ، الوجيز في فلسفة القانون ،المرجع السابق ، ص : 147
المطلب الثاني : الإنتقادات الموجهة لمبادئ القانون الطبيعي :
تعرض مذهب القانون الطبيعي الى مهاجمة عنيفة طوال القرن19 شككت من صحته ويأتي في مقدمة مهاجميه المذهب التاريخي الذي استند في حججه على الواقعية ومن هذه الإنتقادات ما يلي :
_ إن القول بفكرة الخلود و الثبات التي يتميز بها القانون الطبيعي في منطق أنصاره ، هو قول غير صحيح يكذبه الواقع و ينفيه التاريخ ، فالقانون وليد البيئة الإجتماعية وحدها ، وهي متغيرة في الزمان والمكان فمن غير المعقول أن يثبت القانون على حال واحدة .(1)
_ أما القول بأن العقل البشري هو الذي يكشف عن قواعد القانون الطبيعي فإن ما يترتب عليه هو إختلاف هذه القواعد بإختلاف الأشخاص الذين يستخلصونها بعقولهم ومن ثمة تختلف قاعدة القانون الطبيعي من شخص إلى أخر في مسألة واحدة .
_ أما بالنسبة للنزعة الفردية التي ألزمت مذهب القانون الطبيعي طوال القرنين (17-18) والتي تأكدت في عهد الثورة الفرنسية ووجدت طريقها إلى معظم نصوص ( تقنين نابليون ) ، وكذا إعلان حقوق الإنسان التي أبرزت ودعمت هذه النزعة التي ترى بأن المجتمع يعمل على كفالة يتمتع بها دون أن ينقص منها أو يقيدها .(2)
(1)-(2)- د.إبراهيم أبو النجا ، المرجع السابق ، ص : 72-73-74
المبحث الثاني : حركة إحياء القانون الطبيعي
أدت الإنتقادات الموجهة إلى مذهب القانون الطبيعي الى إضعافه و كادت أن تهجر هذه الفكرة طوال القرن 19، ولم تبعث من جديد إلا بعد بداية القرن 20، ونهاية القرن 19 ، وفي سبيل إحياء القانون الطبيعي ظهر إتجاهان : الأول (القانون الطبيعي ذو المضمون المتغير ، بزعامة الفقيه الألماني ستاملر ) و الثاني ( مذهب جمهور الفقهاء في إعتبار القانون الطبيعي موجه مثالي للعدل ).(1)
• المطلب الأول : القانون الطبيعي ذو المضمون المتغير
لقد سقطت فكرة القانون الطبيعي القائمة على قواعد أبدية خالدة صالحة لكل زمان ومكان تحت تأثير هجوم أنصارالمذهب التاريخي فكان لابد من تخليص القانون الطبيعي من الإنتقادات والتناقض الموجه إلى قواعده فكان الفقيه (ستاملر) أن قام بالجمع بين الخلود و التطور في فكرة القانون الطبيعي في ما سماه القانون الطبيعي بالمضمون المتغير و مضمون هذه الفكرة أن جوهر القانون هو مثل أعلى للعدل خالد ومتغير في نفس الوقت فهو خالد في فكرته متغير في مضمونه .
و قد اعتنق هذه الفكرة الفقيه الفرنسي (سالي) و يتمثل جوهر هذه النظرة الجديدة في أن فكرة العدل في ذاتها خالدة أبدية وجدت في ضمير الإنسان على مر العصور و ستضل إلى الأبد و هو أمر لا يتغير ، و بهذا تعتبر فكرة العدل الإطار الثابت و الدائم للقانون الطبيعي .
أما الذي يتغير فهو مضمون هذا العدل و طريقة تحقيقه فهو مرهون بظروف الحياة الإجتماعية التي تختلف من مكان إلى مكان ومن زمان إلى آخر ...
و في هذا الإطار يتفق القانون الطبيعي ذي المضمون المتغير مع المذهب التقليدي للقانون الطبيعي في أمر واحد هو أن القانون الطبيعي يستخلصه الإنسان بعقله(2).
انتقدت فكرة (ستاملر) في كونه قضى على المثل العليا حينما سلم بأن مضمون المتغير يتغير بتغير الزمان والمكان فلا يعقل أن يكون الأمر الواحد عدلا في مكان و زمان معين وفي مكان وزمان آخرين يعتبر ظلما .(3)
(1)،(2)- د.فاضلي إدريس ، مدخل الى المنهجية و فلسفة القانون، المرجع السابق ، ص :163-164-165
(3)- د.حسان هشام ، المحاضرات السابقة
• المطلب الثاني : مذهب جمهور الفقهاء في اعتبار القانون
الطبيعي موجه مثالي للعدل
يأتي في مقدمة هؤلاء الفقهاء (بلانيول) و(جوسران) فاعترضوا على أنصار القانون الطبيعي في القرن 18 من إعتبار وجود قانون مثالي نموذجي يتضمن قواعد تفصيلية تضع حلولا عملية لكل ما يعرض من مشاكل الحياة الإجتماعية في جزئياتها... فمثل هذا القول يكذبه الواقع و المنطق ، فمشاكل الحياة لا تعرض دائما بنفس الصورة في كل الجماعات . فكان الرأي إبتداءا من مطلع القرن الحالي ، التضييق من نطاق فكرة القانون الطبيعي فقصورها على بضعة مبادئ مثالية ثابتة خالدة تمثل الحد الأدنى للمثل الأعلى للعدل ، كمبدأ عدم الإضرار بالغير عند الخطأ ، مبدأ إعطاء كل ذي حق حقه ، مبدأ عدم الإثراء على حساب الغير دون سبب مشروع. فهي مبادئ عامة تعبر عن الموجهات المثالية للعدل ، وتعتبر أساسا ومثلا أعلى للتنظيم القانوني تستند إليه القوانين الوضعية في كل مكان وزمان، وبذلك تتحد وظيفة القانون الطبيعي ، الذي لا يضع حلولا عملية لمشاكل الحياة الإجتماعية ، ولكنه يكتفي بالتوجيه إلى الحلول العملية التي تضعها القوانين الوضعية لمشاكل الحياة الإجتماعية . فهي في جوهرها موافقة للقانون الطبيعي ، خالدة ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان (1)، ثابتة مبنية على أساس الحالة وهذا ما كرسه المشرع عندنا(في الجزائر) في المادة الأولى من القانون المدني عندما أجاز القاضي في الحالة التي لا يوجد فيها نص تشريعي يحكم بمقتضاه حيث جاء فيها ما يلي : << يسري القانون على جميع المسائل التي تتناولها نصوصه في لفظها أو في فحواها ، وإذا لم يوجد نص تشريعي حكم القاضي بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية ، فإذا لم يجد فبمقتضى العرف، فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة >>(2)
(1)،(2)- د.فاضلي إدريس ، مدخل الى المنهجية و فلسفة القانون، المرجع السابق ، ص : 166-167
الخاتمة
وخلاصة القول نقول أن فكرة القانون الطبيعي احتفظت بمقوماتها فهي قواعد كامنة في الطبيعة أودعها الله فيها، ويقتصر دور الإنسان في الكشف عنها بعقله ، والقانون الطبيعي واحد لا يتغير من مجتمع لآخر ومن زمان لآخر ويقتصر فقط على مبادئ وأصول عامة محدودة ، لا تضع إلا حلول جزئية لمشاكل الحياة الاجتماعية .
قائمة المصادر والمراجع :
1/ الكتـب :
• د.فاضلي إدريس ،الوجيز في فلسفة القانون ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الساحة المركزية ، بن عكنون ، الجزائر ، 2003
• د.فاضلي إدريس ، مدخل الى المنهجية و فلسفة القانون ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الساحة المركزية ، بن عكنون ، الجزائر ، 2003
2/ المحاضرات :
• د.إبراهيم أبو النجا ، محاضرات في فلسفة القانون ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الساحة المركزية ، بن عكنون ، الجزائر، الطبعة الثالثة ، 1992
• د.حسان هشام ، محاضرات في فلسفة القانون ، معهد العلوم القانونية والإدارية ، المركز الجامعي زيان عاشور ، الجلفة ، ألقيت على طلبة السنة الأولى ، 2007/2008