المسلم سمح كريم وجواد سخيّ في بيعه وشرائه وأخذه وعطائه وقضائه واقتضائه، وكيله ووزنه، وإيفاء دَينه واستيفائه، في اليُسر والعسر، فإن لم يكن سمحًا، وجب عليه إيفاء الحقّ كاملاً غير منقوص.
وكلّ هذه الأخلاق والآداب أوصى بها القرآن الكريم والسُنّة النّبويّة الشّريفة، قال تعالى: ”وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيم”، وجاء في صحيح البخاري عن جابر رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ”رحِم الله رجلاً سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى” أي كان سهلاً وسخيًا في البيع والشّراء وطلب أداء الحقّ، فذلك كلّه مستحبّ شرعًا، فهي تنشر المحبّة والمودّة وتكون سببًا في كسب الزّبائن وروّاد المعاملة، وهذا المعنى جاء فيما رواه مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ”مَن سَرَّه أن يُنجيه الله من كُرَب يوم القيامة، فلينفِّس عن معسر، أو يَضع عنه” أي من أفرحه الخلاص من كرب وغموم القيامة، عليه أن يتسامح في المطالبة بالديون أو الحقوق، بأن يؤخّر مطالبة المعسر أو يعطيه مالاً لإيفاء دينه، أو يحطّ عنه بعض الدَّيْن أو كلّه.
وليس هذا مجرّد أمل أو حُلم نظري، بل هو خُلق واقعي قديمًا وحديثًا لدى بعض النّاس. جاء في الحديث المتّفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”كان رجل يُداين النّاس، وكان يقول لفتاه: إذا أتيتَ معسرًا فتجاوز عنه، لعلّ الله أن يتجاوز عنّا، فلقي الله، فتجاوز عنه”.
وفي حادثة أخرى، ولكن في ميدان الحساب يوم القيامة، أخرج مسلم عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”حوسٍب رجل ممّن كان قبلكم، فلم يوجد له من الخير شيء إلاّ أنّه كان يخالط النّاس، وكان مُوسِرًا، وكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المُعسِر، قال الله عزّ وجلّ: نحن أحقّ بذلك منه، تجاوزوا عنه، أي: إنّ الله تعالى قال لملائكته تجاوزوا عنه، بمعنى اعفو عنه واغفروا له.
وهذا من فضل الله وكرمه بالتجاوز والعفو عن المقصّرين، روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”مَن أنظر مُعسرًا، أو وَضع له، لأظلّه الله يوم القيامة تحت ظلّ عرشه يوم لا ظلّ إلاّ ظلُّه”.
عضو المجلس العلمي بولاية الجزائر/#