للباحث محمد عباس محمد عرابي
* الخروج بالبناء الإيقاعي عن النمطية في القصيدة العربية المعاصر
للباحث محمد عباس محمد عرابي
حاول أصحاب الاتجاه الوجداني الخروج بالبناء الإيقاعي للقصيدة التقليدية عن النمطية وذلك من خلال
- أولاً : الزحافات والعلل:-وهي بمثابة الانحراف عن النظام العام ، برغم أن هناك العديد من الزخافات والعلل التي أصبحت مألوفة للمتلقي ، ومن ثم فقد استخدم الشاعر زحافات وعلل جديدة غير معروفة للوصول إلى وجدان المتلقى ، فمن التنازع المستمر بين الوزن العروضي الذي يشكل النظام والوحدات العروضية المتداخلة معها والتي تشكل صدع النظام يتولد التفاعل الدلالي .
وقد تم استخدم العديد من الزحافات والعلل التي لا تحظى بأية مشروعية في التراث العروضي ، ولكنها تحولت إلى أسس في بناء القصيدة عن الشعراء الوجدانين فتفعيلة مثل (فاعلن ) في الضرب قد تتحول إلى (فاعلان / 5 //55) و (مستفعلن) قد تتحول إلى (مستعل /5//5) أو ( متعل 5///5) أو (فعلان ///55) كما قد تتحول (مفعول) إلى (فعول).... إلخ وهو ما يؤدي إلى خروج البناء الإيقاعي عن نمطيته ، حيث تؤدي إلى تكوين أنساق مقطعية واختفاء أخرى .
ثانياً: البناء الدرامي :-أصبح استخدام القصة الشعرية عند شعراء " أبوللو من السمات الفنية المميزة ، وقد كان اتجاههم إلى كتابة القصة الشعرية بدافع من الإسهام في تطويع الشعر لأساليب فنية جديدة ، تخرج بهذا الشعر عن قالب القصيدة الغنائية المعروفة ، فالبناء الدرامي يقيم ترابطا إيقاعيا بين أبيات القصيدة ، ويتجه بالنص التقليدي من كونه مجرد أبيات مستقلة إلى انتظامها في تتابع دلالي يدعم وحدة البناء الإيقاعي ، حيث تتغير النماذج التنغيمية بين الصعود والهبوط ، ومن ثم يتحول النص من إيقاعه الخارجي البسيط إلى مجاوزة النظام بالتجربة الشعرية وتجسدها شكلاً ومضموناً ، لذا فقد اتسمت القصيدة بالكلمة ووحدة التركيب والنغم .
كما يظهر البناء الدرامي قدره الشاعر على صياغة أبنيته الإيقاعية وترويضها لأداء أفكاره ، كما أنه يقيم اتصالا ذاتيا بين الدلالة الإيقاعية واللغوية التصويرية ، ومتي امتزج جرس الألفاظ وإيقاعاتها وتركيب الجمل فقد أضحى النص الشعري إبداعاً وتلاشت مصادر الصنعة والتكلف ، فغاية البناء الإيقاعي التماهي مع الأبنية الأخرى ، ويتيح البناء الدرامي استخدم التدوير والتضمين ، وهو ما يؤدي بدوره إلى إيجاد نماذج تنغيمية متعددة ، كما يصدع النظام التفعيلي الذي ينعكس بدوره على كم المقاطع فكلاهما يؤثر في التركيب والدلالة ، ومن ثم يتحول النص التقليدي إلى معادلة تتلاقي فيها الدلالات وتتباعد ، ويتحول البناء الإيقاعي إلى مجموعة من العلاقات المتبادلة بدلا من كونه وحده إيقاعية منتظمة الحدود .
ثالثاً: كم التفاعيل :-حيث الخروج على النمط التفعيلي لكل بحر ، كأن يستخدم ثماني تفعيلات لبحر الوافر في كل بيت أو استخدم خمس تفعيلات لبحر الرمل والكامل وهي محاولات تهدف إلى ترشيح أنماط عروضية جديدة خروجاً على نمطية الشكل التقليدي وصرامته إلا أنها لم تحظ بالقبول ، فالاعتقاد بأن التجديد الشعري قرين الإحالة إلى التغير في كم التفاعيل العروضية خطأ في مجملة .
وختاما لهذا الفصل يمكن القول : إن الشعر العربي الحديث ضروبا متلاحقة من التطور والتجديد ترتد في حقيقتها إلى تصورات الشعراء منذ أوائل القرن العشرين ، حول ماهية الشعر ذاته ، وطبيعة وظيفته ، وهو ما يرتد بدوره إلى تأثرهم العميق بحركة الشعر ذاته ، وطبيعة وظيفة ، وهو ما يرتد بدوره إلى تأثرهم العميق بحركة الشعر الغربي ، والثقافة الإنسانية بصفة عامة ، مع الالتفات إلى تفاوت درجة هذا التأثير على مستوى المدارس الشعرية والأجيال الزمنية والثقافية الفردية للشعراء أنفسهم .
ولقد أصاب موسيقي الشعر ما أصاب غيرها من عناصر البناء الفني للقصيدة الحديثة ، من نزوع إلى إدراك محاولات التطور ، سعيا وراء التواؤم الفني بين قيم النص الجمالية
والبنائية من ناحية ، ووظيفة الثقافية والاجتماعية من ناحية أخرى.([1]).
فقد نظر البارودي إلى منهج الغربيين في بعث مجدهم الأدبي ، حينما أقدم شعراء عصر النهضة على استلهمام كلاسيكيات اليونان والرومان الخالدة بوصفها أسمى نماذج الإبداع الفني في تراثهم الشعري المسرحي 0 فارتد هو ( البارودي) بدوره إلى النموذج العباسي بوصفه خلاصة الإبداع الفني في الشعر العربي القديم متوخياً آثاره في إنتاجية الشعري.
وكان من الطبيعي أن يحافظ البارودي في هذا السياق على جماليات الأداء الشعري للقصيدة النموذج في مقدمتها البنية الإيقاعية الداخلية والخارجية والأخيرة على وجه الخصوص بوصفها حاكما للفعل الشعري ومميزا للنوع في آن معا([2]).
ومن ثم فنحن لا تكاد نقع على أي أثر يلحظ لتطوير الإيقاع الشعري في آثار البارودي وأي ممن التزم بنهجه في محاكاة الأقدمين التزاما كاملاً . غير أن الأمر يختلف قليلاً في إنتاج تلاميذ الباوردي الذين حاولوا تطوير الحركة الإحيائية ذاتها بباعث من سفن التطور ذاتها ومن احتكاكهم بالثقافة الأجنبية معا.
و يأتي شوقي في طليعة هؤلاء بما تهيأ له من نوازع التجديد ومبرراته ، فمشى في طريق التجديد ما استطاع ، وأصاب الإيقاع الخارجي من ذلك ما أصابه ، وتبعه في ذلك كله من تبعه ، وعلى رأسهم حافظ([3]). .
ثم كان الاندفاع الجارف إلى الثقافة الغربية منذ مطلع القرن العشرين حيث اتجه رواد شعرنا العربي على هذه الفترة في مصر والشام إلى الاتجاه الرومانسي ، يسقون أصوله من منابعه ، وينهلون من ثماره وآثاره ، وقد توزعت بهم السبل فاتجهت جماعة منهم إلى النموذج الرومانسي الفرنسي وفي مقدمة هؤلاء مطران ، على حين اتجهت جماعة الديوان (شكوي – العقاد- المازني) إلى النموذج الإنجليزي للرومانسية متأثرين برواده من أمثال
كولردج ، وهازلت ، وشلي ، وسبنر ، ووردزورت وغيرهم .
وقد تأثر شعراء السبيلين جميعاً ومن لف لفهما من شعراء الأجيال التالية ، وخاصة شعراء مدرسة أبوللو كأحمد زكي أبو شادي ، وعلى محمود طه ، وإبراهيم ناجي ، ومحمود حسن إسماعيل ، وأبي القاسم الشابي ، وغيرهم بتنوع الإيقاع الخارجي عند شعراء الرومانسية الغربيين ، وبميلهم إلى شعر المقطوعات ، وتعدد القافية ، و تبدلها إلى غير ذلك من سمات الإيقاع في الرومانسية الغربية الإنجليزية والفرنسية سواءً بسواء([4]) .
واستمر تأثر الشعراء العرب بالشعراء السابقين عليهم من الغربيين فتأثر أصحاب اتجاه الشعر الحر المرتبط بالنزعة الواقعية في الشعر الحر وخاصة صلاح عبد الصبور ونازك الملائكة ، وبدر شاكر السياب فاتجهت أعمالهم إلى التحرر الكامل من قيود الالتزام بموقعية القافية ، وإن حافظوا على النظام الوزني مع إجراء بعض التعديلات العميقة أحياناً ، والسطحية أحيانا أخرى عليه ، ثم ظهرت مؤخرا قصيدة النثر ترعاها جماعة مجلة (شعر) وشعراء (مجلة الآداب).