I - طرح المشكل :اختلفت الطروحات والتفسيرات فيمايتعلق بطبيعة الذاكرة وحفظ الذكريات . فاعتقد البعض ان الذاكرة ذات طبيعة اجتماعية، وان الذكريات مجرد خبرات مشتركة بين افراد الجماعة الواحدة . واعتقد آخرون انالذاكرة مجرد وظيفة مادية من وظائف الدماغ ؛ الامر الذي يدعونا الى طرح المشكلةالتالية : هل الذاكرة ذات طابع اجتماعي أم مادي بيولوجي ؟
II- محاولةحل المشكل
1-أ- عرض الاطروحة :أنصارالنظرية الاجتماعية : اساس الذاكرة هو المجتمع ؛ أي انها ظاهرة اجتماعية بالدرجةالاولى .
1-ب- الحجة :لأن – أصل كل ذكرى الادراك الحسي ،والانسان حتى ولو كان منعزلا فانه عندما يدرك أمرا ويثبته في ذهنه فإنه يعطيه إسماليميزه عن المدركات السابقة ، وهو في ذلك يعتمد على اللغة ، واللغة ذات طابعاجتماعي ، لذلك فالذكريات تحفظ بواسطة اشارات ورموز اللغة ، التي تُكتسب منالمجتمع
- ان الفرد لا يعود الى الذاكرة ليسترجع مافيها من صور ، الا اذا دفعه الغير الى ذلك أو وجه اليه سؤالا ، فأنت مثلا لا تتذكرمرحلة الابتدائي او المتوسط الا اذا رأيت زميلا لك شاركك تلك المرحلة ، او اذا وجهاليك سؤالا حولها ، لذلك فإن معظم خبراتنا من طبيعة اجتماعية ، وهي تتعلق بالغير ،ونسبة ماهو فردي فيها ضئيل ، يقول هالفاكس : " إنني في أغلب الاحيان حينما أتذكرفإن الغير هو الذي يدفعني الى التذكر ... لأن ذاكرتي تساعد ذاكرته ، كما أن ذاكرتهتساعد ذاكرتي " .
ويقول : " ليس هناك ما يدعو للبحثعن موضوع الذكريات وأين تحفظ إذ أنني أتذكرها من الخارج ... فالزمرة الاجتماعيةالتي انتسب إليها هي التي تقدم إلي جميع الوسائل لإعادة بنائها "
- والانسان لكي يتعرف على ذكرياته ويحدد اطارها الزماني والمكاني ،فإنه في الغالب يلجأ الى احداث اجتماعية ، فيقول مثلا ( حدث ذلك اثناء .... او قبل .... و في المكان ..... وعليه فالذكريات بدون أطر اجتماعية تبقى صور غير محددةوكأنها تخيلات ، يقول : ب . جاني : " لو كان الانسان وحيدا لما كانت له ذاكرة ولماكان بحاجة إليها " .
1-ج- النقد :لو كانت الذاكرة ظاهرة اجتماعية بالاساس ،فيلزم عن ذلك أن تكون ذكريات جميع الافراد المتواجدين داخل المجتمع الواحد متماثلة، وهذا غير واقع . ثم ان الفرد حينما يتذكر ، لا يتذكر دائما ماضيه المشترك معالغير ، فقد يتذكر حوادث شخصية لا علاقة للغير بها ولم يطلب منه احد تذكرها ( كماهو الحال في حالات العزلة عندما نتذكر بدافع مؤثر شخصي ) ، مما يعني وجود ذكرياتفردية خالصة .
2-أ- عرض نقيض الاطروحة : النظريةالمادية : الذاكرة وظيفة مادية بالدرجة الاولى ، وترتبط بالنشاط العصبي ( الدماغ ) .
2-ب- الحجة :لأن : - الذاكرة ترتبط بالدماغ ، واصابتهفي منطقة ما تؤدي الى تلف الذكريات ( من ذلك الفقدان الكلي او الجزئي للذكريات فيبعض الحوادث ) .
- بعض امراض الذاكرة لها علاقةبالاضطرابات التي تصيب الجملة العصبية عموما والدماغ على وجه الخصوص ، فالحبسة اوالافازيا ( التي هي من مظاهر فقدان الذاكرة ) سببها اصابة منطقة بروكا في قاعدةالتلفيف الثالث من الجهة الشمالية للدماغ ، أو بسبب نزيف دموي في الفص الجداريالايمن من الجهة اليسرى للدماغ ، مثال ذلك الفتاة التي أصيبت برصاصة ادت الى نزيففي الفص الجداري الايمن من الجهة اليسرى للدماغ ، فكانت لا تتعرف على الاشياءالموضوعة في يدها اليسرى بعد تعصيب عينيها ، فهي تحوم حولها وتصفها دون ان تذكرهابالاسم ، وتتعرف عليها مباشرة بعد وضعها في يدها اليمنى
يقول تينTaine: " إن الدماغ وعاءيستقبل ويختزن مختلف الذكريات " ، ويقول ريبو : " الذاكرة وظيفة بيولوجية بالماهية "
2-ج- النقد :ان ما يفند مزاعم انصار النظرية الماديةهو ان فقدان الذاكرة لا يعود دائما الى اسباب عضوية (اصابات في الدماغ) فقد يكونلأسباب نفسية ( صدمات نفسية ) ... ثم ان الذاكرة قائمة على عنصر الانتقاء سواء فيمرحلة التحصيل والتثبيت او في مرحلة الاسترجاع ، وهذا الانتقاء لا يمكن تفسيره الابالميل والاهتمام والرغبة والوعي والشعور بالموقف الذي يتطلب التذكر .. وهذه كلهاامور نفسية لا مادية .
3- التركيب ( تجاوز الموقفين ) :ومنه يتبين ان الذاكرةرغم انها تشترط اطر اجتماعية نسترجع فيها صور الذكريات ونحدد من خلالها اطارهاالزماني والمكاني ، بالاضافة الى سلامة الجملة العصبية والدماغ على وجه التحديد ،الا انها تبقى احوال نفسية خالصة ، إنها ديمومة نفسية أي روح ، وتتحكم فيها مجموعةمن العوامل النفسية كالرغبات والميول والدوافع والشعور ..
الامثلة : إن قدرة الشاعر على حفظ الشعر اكبر من قدرة الرياضي . ومقدرة الرياضي في حفظ الأرقام والمسائل الرياضية اكبر من مقدرة الفيلسوف ... وهكذا , والفرد في حالة القلق والتعب يكون اقل قدرة على الحفظ , وهذا بالإضافة إلى السماتالشخصية التي تؤثر إيجابا أو سلبا على القدرة على التعلم والتذكر كعامل السن ومستوىالذكاء والخبرات السابقة ..
III- حل المشكل:وهكذا يتضح ان الذاكرة ذات طبيعةمعقدة ، يتداخل ويتشابك فيها ماهو مادي مع ماهو اجتماعي مع ماهو نفسي ، بحث لا يمكنان نهمل او نغلّب فيها عنصرا من هذه العناصر الثلاث .
ملاحظة :يمكنفي التركيبالجمع بين الموقفين ، و ليس من الضروريتجاوزهما