بسم الله الرحمن الرحيم
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : الناس ثلاثة: فعالم رباني ، ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج(1) رِعاع – غوغاء(2) – أتباع كل ناعق ، يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق )(3).
قوله : ( وهمج رعاع ) :
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في مفتاح دار السعادة [1/144] : (
القسم الثالث : المحروم المُعرِض فلا عالمَ ولا متعلِّم ، بل همج رعاع.
والهمج من الناس : حُمقاؤهم وجَهلتُهم ، وأصله من الهمج : جَمْعُ هَمَجَة، وهو ذباب صغير كالبعوض يسقط على وجوه الغنم والدواب وأعينها ، فشُبِّه همجُ الناس به.
والهمج هنا مصدر معناه : سوء التدبير في أمر المعيشة. وقولهم : هَمَجٌ هامج مثل ليل لايل.
والرِّعاع من الناس : الحمقى الذين لا يُعتدُّ بهم . من صاح بهم ودعاهم تبعوه سواءً دعاهم إلى هدى أو إلى ضلال ، فإنهم لا علم لهم بالذي يدعون إليه أحقٌّ هو أم باطلٌ ، فهم مستجيبون لدعوته وهؤلاء من أضر الخلق على الأديان فإنهم الأكثرون عدداً ، الأقلُّون عند الله قدراً ، وهم حطب كل فتنةٍ بهم تُوقد ...
وعقول هؤلاء تميل مع كل هوىً وكل داعٍ ... بين السبب الذي جعلهم بتلك المثابة وهو : أنه لم يحصل لهم من العلم نورٌ يُفرِّقون به بين الحقِّ
والباطل..
فإذا عدم القلب هذا النور صار بمنزلة الحيران الذي لا يدري أين يذهب )اهـ
وقال الإمام الخطيب رحمه الله في الفقيه والمتفقه [1/49] : ( والقسم الثالث : فهم المُهمِلون لأنفسهم ، الراضون بالمنزلة الدنيا ، والحالة الخسيسة ، التي هي في الحضيض الأوهَدِ ، والهبوط الأسفل ، التي لا بعدها
في هولٍ ... نعوذ بالله من الخذلان ، وعدم التوفيق والحرمان.
وما أحسن ما شبههم الإمام علي بالهمج الرِّعاع ، والهمج الرِّعاع به يُشبَّه دناة الناس ، وأراذلهم ، والرِّعاع : المتبدد المتفرِّق ).اهـ
فالعلم يحفظُ صاحبه ويحميه من الهمجية والرِّعاعية ومن موارد الهَّلَكة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
---------
(1) قال ابن قتيبة في أدب الكاتب [ص193] : ( الهمج : صغار البعوض ، ولذلك يُقال للجهلة والصغار : همج ). اهـ
(2) قال ابن قتيبة في أدب الكاتب [ص193] : ( الغوغاء : صِغار الجراد ، ومنه يُقال لعامة الناس : غوغاء ). اهـ
(3) أخرجه الخطيب في الفقيه والمتفقه [1/49] وأبو نعيم في الحلية [1/79].
منقول