بلاغــــــــة القران الكـــــــــــريم
إنّ إدراك الكلام البليغ لا يتأتّى إلا عن طريق الدراسة و البحث و التأمل، و من أجل ذلك جاء علم البلاغة ليكشف للدارسين عن العناصر البلاغية المميِّزة للكلام البليغ عن غيره، و ليس في الوجود كلام أبلغ من كلام ربّ العالمين؛ إذ لا نظم يدانيه على الإطلاق.
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) فصلت: 41-42
وقال أيضا: ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) الإسراء:88، و قال: (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) آل عمران: 138 ، و علم البلاغة هو السبيل إلى إثبات هذا التفوق و الإعجاز للنظم القرآني على سائر ما جادت به قرائح الفطاحل من الخطباء و الشعراء و غيرهم، و قد اهتم العلماء قديما و حديثا بدراسة بلاغة القرآن، و الكشف عن أوجه الإعجاز فيه من أجل أن تظهر للعالمين معجزة القرآن الخالدة؛ فتقوم الحجة على الجاهل، و تزول الشبهة عن المبطل، و يطمئن قلب المؤمن.
إن إعجاز القرآن الكريم يتمثل في قوة نظمه العجيب، و هو ما ذهب إليه منظِّر علم البلاغة الإمام عبد القاهر الجرجاني حيث قال
بأن النظم البليغ هو أن يوضع الكلام وضْعه الذي يقتضيه علم النحو، و العمل وفق قوانينه و أصوله، و معرفة مناهجه فلا يُزاغ عنها، و لا يُخَلَّ برسومه التي رُسمت في وجوه كل باب و فروقه، و النظر في الجمل التي تسرد فيعرف موضع الفصل فيها من موضع الوصل، و يعرف فيما حقه الوصل، و موضع الواو من موضع الفاء، و موضع الفاء من موضع "ثم"، و موضع "لكن" من موضع "بل"، و معرفة كيفية التصرّف في التعريف و التنكير، و التقديم و التأخير في الكلام، و في الحذف و التكرار و الإضمار، فيوضع كلاًّ من ذلك مكانَه، و يستعمل على الصحة وعلى ما ينبغي ).(دلائل الإعجاز،ص:95،94).
ولاشك أن أساليب القرآن الكريم كثيرة و متعددة، وعليه فإن صور بلاغته تتعدد بتعدد تلك الأساليب و تنوعها.