خطيبي الذي أكرهه
بقلم الدكتور : بدر عبد الحميد هميسه
من المفترض أن تكون فترة الخِطبة أو ( الخطوبة ) من أهنأ وأسعد الفترات في حياة الإنسان , فهي الفترة التي يجد فيها شريك حياته ,
ويلتقي بمن يشاركه ويقاسمه رحلته في هذه الحياة , وبمن يجالسه ويؤانسه وتحصل به الطمأنينة والسكن والمودة والرحمة , قال: وَمِنْ آيَاتِهِ
أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) سورة الروم.
وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله قال: الدنيا متاع ، وخير متاع الدنيا : المرأة الصالحة . أخرجه
أحمد2/168(6567) ومسلم 4/178(3634) وابن ماجة 1855 والنَّسائي 6/69 .
من هنا فقد حثنا الإسلام على التحقيق والتدقيق في اختيار شريك الحياة ,قال تعالى : وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ
مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ
وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) سورة البقرة .
وقال : { فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ } ( النساء 34) ,
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ؛تُنْكَحُ النِّسَاءُ لأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا ، وَجَمَالِهَا ، وَحَسَبِهَا ، وَدِينِهَا ، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ . أخرجه أحمد
2/428(9517) . والدرامي 2170 والبُخاري 5090 ومسلم 3625 .
قال رجل للحسن : قد خطب ابنتي جماعة فمن أزوَّجها ؟ قال: ممَّن يتقي الله فإن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها .
قال الشاعر:
وإن تزوجت فكن حـاذقــاً *** واسأل عن الغصن وعن منبته
واسأل عن الصهر وأحواله *** من جـيـرة وذي قربتــه
وقال آخر :
لا خير في حسن الفتاة وعلمها *** إن كان في غير الصلاح رضاؤها
فجمالها وقف عليها إنما *** للناس منها دينها ووفاؤها
لكن الحاصل الآن إلا من رحم الله تعالى يحولون فترة الخطوبة إلى فترة للصراعات والخلافات بدل أن تكون فترة للتعارف والتراحم والمودات
.
وهناك شكاوى كثيرة من الفتيات المخطوبات تقول أنا في خلاف مع خطيبي , وقد يكون ذلك الأمر طبيعياً نظراً لاختلاف الطباع أحياناً أو اختلاف
العادات والتقاليد أو غيرها من الأسباب , لكن أن يصل الأمر إلى حد الشكوى من أنني في خلاف دائم معه , أو أنني أصبحت أكره خطيبي , أو
أصبحت لا أطيقه , فتلك شكوى تستحق التوقف والتأمل , وبخاصة أن الأمر قد صار أشبه بظاهرة .
فكراهية الفتاة لخطيبها له أسبابه الكثيرة والمتشعبة فمن هذه الأسباب :
1- عدم مشاورة البنت وأخذ رأيها :
فبعض الآباء لا يأخذون رأى البنت فيمن تقدم لخطبتها , بل قد يجبرونها ويضغطون عليها بشتى السبل لكي تقبل هذا الشاب زوجاً لها , وهذا
الأمر مخالف لهدي الإسلام الحكيم الذي أمر بمشاورة البنت وأخذ رأيها فيمن يكون شريكا لها في حياتها , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ، قَالَ:لاَ
تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ ، وَلاَ تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا ؟ قَالَ : أَنْ تَسْكُتَ. أخرجه أحمد 2/250(7398)
والبُخاري 5136 ومسلم 3457 .
كما حث الإسلام على أخذ رأي الأم فهي أقرب للبنت من الأب , وربما قالت للأم ما لا تستطيع البنت ان تقوله له ,عَنِ ابْنِ عُمَرَ ؛أَنَّهُ خَطَبَ إِلَى
نَسِيبٍ لَهُ ابْنَتَهُ قَالَ فَكَانَ هَوَى أُمِّ الْمَرْأَةِ في ابْنِ عُمَرَ وَكَانَ هَوَى أَبِيهَا في يَتِيمٍ لَهُ قَالَ فَزَوَّجَهَا الأَبُ يَتِيمَهُ ذَلِكَ فَجَاءَتْ إِلَى النَّبِىِّ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ
فَقَالَ النَّبِىُّ آمِرُوا النِّسَاءَ في بَنَاتِهِنَّ.- لفظ مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ :آمِرُوا النِّسَاءَ في بَنَاتِهِنَّ.أخرجه أحمد 2/34(4905) و"أبو داود 2095 .
فكل ذلك يكون سبباً للنفور والشقاق الذي يؤدي في النهاية إلى الكراهية والبغض .
2- منع البنت من رؤية خطيبها :
بعض الآباء ممن لا فقه لديهم ولا عقل يعتقدون أن مجرد رؤية البنت لمن تقدم لخطبتها أمر قد منعه الشرع ويأباه العرف , وأنه ليس لها حق
في ذلك , فما عليه إلا تقبل ما اختاره الأبوان لها دونما رأي ولا رؤية , وهذا مخالف – كذلك لهدي الإسلام الحكيم الذي أباح التعرف والرؤية بين
المخطوبين , فعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ، قَالَ:خَطَبْتُ امْرَأَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ : أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا ؟ قُلْتُ : لاَ، قَالَ : فَانْظُرْ إِلَيْهَا ، فَإِنَّهُ
أَجْدَرُ أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا.أخرجه أحمد 4/244(18317) والدرامي 2172 وابن ماجة1866 والتِّرمِذي1087 وقال: هذا حديثٌ حَسَنٌ.
فالتعارف والرؤية إذن مطلوبان للخطبة ولكن بقيود وضوابط وبعيدا عن الحرج وجرح المشاعر , ولذا كان الصحابة رضوان الله عليهم يتخبأون لمن
يريدون خطبتها فإن أعجبتهم وإلا فلا حرج , عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ :إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إِلَى مَا يَدْعُوهُ
إِلَى نِكَاحِهَا ، فَلْيَفْعَلْ.قَالَ : فَخَطَبْتُ جَارِيَةً مِنْ بَنِي سَلِمَةَ ، فَكُنْتُ أَتَخَبَّأُ لَهَا تَحْتَ الْكَرَبِ ، حَتَّى رَأَيْتُ مِنْهَا بَعْضَ مَا دَعَانِي إِلَى نِكَاحِهَا ، فَتَزَوَّجْتُهَا .أخرجه أحمد 3/334(14640) .
فكيف تحصل المودة والتآلف بين البنت ومن خطبها وهي لم تره ولم تبدي رأيها فيه .
3- الكذب وعدم الصراحة :
الخطبة لا بد أن تقوم من بدايتها لنهايتها على الصراحة والوضوح والبعد عن الغش والتدليس , فلا يمكن لحياة زوجية سليمة أن تقوم على
الكذب والخداع , خطب بلال رضي الله عنه لأخيه امرأة من قريش ، فقال لأهلها نحن من قد عرفتم ، كنا عبدين فأعتقنا الله تعالى وكنا ضالين
فهدانا الله تعالى ، وكنا فقيرين فأغنانا الله تعالى ، وأنا أخطب إليكم ابنتكم لأخي ، فان تنكحوها له فالحمد لله تعالى ، وإن تردونا فالله أكبر ،
فأقبل بعضهم على بعض ، فقالوا : بلال ممن عرفتم سابقته ، وعلمتم مكانته من رسول الله ، فزوجوا أخاه فزوجوه ، فلما انصرفوا قال له أخوه
: يغفر الله لك يا بلال ، أما كنت تذكر سوابقنا ومشاهدنا مع رسول الله ، وتترك ما عدا ذلك ؟ فقال : مه يا أخي ، إنما صدقتُ فأنكحك
الصدق.إحياء علوم الدين 2/39.
وإن مما تحصل به الكراهية والنفور بين المخطوبين أن يكتشف أحدهما كذب الآخر وخداعه له , تقول إحدى الفتيات: تقدم لي شاب وخطبني ..
ثم عقدنا العقد .. لكنني اكتشفت أن أفكاره وكلماته كلها مصحوبة بالكذب .. كما أنه لا يفكر إلا في الجنس وفقط .. ويعتبر المرأة لم تخلق إلا للفراش ...وقد حاول الاعتداء علىً ومن ساعتها أحسست أنني أكره كل الرجال .
وقد يكون من كذب الشاب على مخطوبته أنه يحب فتاة أخرى وعلى علاقة بها فإذا ما اكتشفت هذه العلاقة فمن الطبيعي أن تنفر منه وتكرهه .
وقد تكتشف الفتاة أن خطيبها لم يكن جاداً في خطبته لها , وأن الأمر لديه لا يعدو إلا أن يكون نزوة من نزوات الشباب , أو إثباتا لنفسه ولمن
حوله أنه قد وصل إلى مرحلة الرجولة , فيحاول بعد الخطبة التنصل من عهوده ومواعيده ويبدأ في الهرب من كل ما من شأنه أن يسير بالخطبة في مسارها الطبيعي الذي ينتهي بإتمام الزواج, فتبدأ الخلافات والمشاكسات بينه وبين خطيبته وبينه وبين أهلها , حتى تصل الأمور إلى طريق مسدود , والسبب تلاعبه وعدم جديته .
4- سوء المعاملة والعصبية الزائدة :
المرأة لا تحب الرجل الذي تكون لديه عصبية زائدة , وسوء في التعامل والتصرفات , وقد تكره المخطوبة خطيبها بسبب هذه العصبية ,يقول
الإمام الغزالي رحمه الله تعالى (ومن زوج ابنته ظالما أو فاسقا أو شاربا للخمر فقد جنى على دينها وتعرض لسخط الله عز وجل).
فالفاسق أو شارب الخمر لا شك أنه سيكون عصبي المزاج سيء التصرفات ,عنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ بْنِ صُخَيْرٍ الْعَدَوِيِّ قَالَ سَمِعْتُ فَاطِمَةَ
بِنْتَ قَيْسٍ تَقُولُ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي فَآذَنَتْهُ فَخَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ وَأَبُو الْجَهْمِ بْنُ صُخَيْرٍ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ تَرِبٌ لَا مَالَ لَهُ وَأَمَّا أَبُو الْجَهْمِ فَرَجُلٌ ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ وَلَكِنْ أُسَامَةُ فَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا أُسَامَةُ
أُسَامَةُ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَاعَةُ اللَّهِ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ خَيْرٌ لَكِ قَالَتْ فَتَزَوَّجْتُهُ فَاغْتَبَطْتُ بِهِ. المسند 6/412, تعليق
شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم.
فحذرها النبي من أن تتزوج من أبي جهم لأنه عصبي ضرَّاب للنساء .
5- انعدام الشخصية:
قد تكتشف الفتاة أن خطيبها إنسان ضعيف الشخصية , يتصف بالإمعية ويعجز عن اتخاذ قراره بنفسه , فهو يعيش ذنباً لغيره , وقد يكون هذا
الغير والديه وقد يكون أحد أصدقائه , وهذه من الأسباب التي تتسبب في النفور من هذا الشاب لأن المرأة تحب الرجل صاحب الشخصية القوية
حتى تعيش في كنفه وتأمن في ظله , ويكون له القوامة عليها , ولا ترتبط الشخصية القوية للرجل بالمال أو بالجاه , فالمرأة تفضل الرجل القوى
حتى ولو كان فقيراً , ولا تفضل الرجل صاحب الشخصية الضعيفة حتى ولو كان غنياً , وقد قص لنا القرآن الكريم قصة ابنة شعيب التي قالت
لأبيها عن نبي الله موسى عليه السلام : قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) سورة القصص , فهي هنا
كما تقصد قوة الجسم قصدت معها قوة الشخصية بوصفها له بالأمين .
وعن سهل بن سعد الساعدي , قَالَ:مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ الله رجل. فَقَالَ النبي : مَا تَقُولُونَ في هَذَا ؟ قَالُوا : رأيك في هذا.نقول : هذا من
أشرف الناس , هذا حَرِيٌّ , إِنْ خَطَبَ , أَنْ يخطب ، وَإِنْ شَفَعَ , أَنْ يُشَفَّعَ ، وَإِنْ قَالَ : أَنْ يُسْمَعَ لقوله , فسَكَتَ النبي , وَمَرَّ رَجُلٌ آخر , فقال
النبي : مَا تَقُولُونَ في هَذَا ؟ قَالُوا : نقول : والله يا رسول الله , هذا من فقراء المسلمين , هذا حَرِيٌّ , إِنْ خَطَبَ , لمَ يُنْكَحَ , وَإِنْ شَفَعَ , لاَ
يُشَفَّعَ ، وَإِنْ قَالَ , أَنْ لاَ يُسْمَعَ لقوله , فَقَالَ النبي : لهَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا. أخرجه البخاري 7/9(5091) وابن ماجة 4120 .
6- البخل :
في بعض الإحصائيات سئلت النساء عن أكثر الصفات التي تحبها المرأة في الرجل , فاتفقن على صفتين أساسيتين هما : العطف والكرم ؛
فالمرأة تحب الرجل الحنون والعطوف , وتحب الرجل السخي الكريم ,
َخَطَبَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَفَتًى مِنْ الْعَرَبِ امْرَأَةً ، وَكَانَ الْفَتَى جَمِيلًا ، فَأَرْسَلْت إلَيْهِمَا الْمَرْأَةُ : لَا بُدَّ أَنْ أَرَاكُمَا ، وَأَسْمَعَ كَلَامَكُمَا ، فَاحْضُرَا إنْ
شِئْتُمَا ، فَأَجْلَسَتْهُمَا بِحَيْثُ تَرَاهُمَا . فَعَلِمَ الْمُغِيرَةُ أَنَّهَا تُؤْثِرُ عَلَيْهِ الْفَتَى ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : لَقَدْ أُوتِيتَ حُسْنًا وَجَمَالًا وَبَيَانًا . فَهَلْ عِنْدَك سِوَى
ذَلِكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . فَعَدَّدَ عَلَيْهِ مَحَاسِنَهُ ، ثُمَّ سَكَتَ . فَقَالَ الْمُغِيرَةُ : فَكَيْفَ حِسَابُك ؟ فَقَالَ : لَا يَسْقُطُ عَلَيَّ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَإِنِّي لَأَسْتَدْرِكُ مِنْهُ أَقَلَّ
مِنْ الْخَرْدَلَةِ ، فَقَالَ لَهُ الْمُغِيرَةُ : لَكِنِّي أَضَعُ الْبَدْرَةَ فِي زَاوِيَةِ الْبَيْتِ ، فَيُنْفِقُهَا أَهْلُ بَيْتِي عَلَى مَا يُرِيدُونَ ، فَمَا أَعْلَمُ بِنَفَادِهَا حَتَّى يَسْأَلُونِي غَيْرَهَا
، فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ : وَاَللَّهِ لَهَذَا الشَّيْخُ الَّذِي لَا يُحَاسِبُنِي أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الَّذِي يُحْصِي عَلَيَّ أَدْنَى مِنْ الْخَرْدَلَةِ . فَتَزَوَّجَتْ الْمُغِيرَةَ . ابن منظور :
مختصر تاريخ دمشق 7/384).
وبالرغم أن الإسلام نهى عن المغالاة في المهور ففي حديث عمر رضي الله عنه:خير النكاح أيسره. صحيح أبي داود برقم (1859) .
وروى عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله - - : إن أعظم النكاح بركة أيسره مَؤونةً أحمد ( 6/82 ).
إلا أن المرأة تضع الرجل خلال فترة الخطبة موضع الاختبار لترى هل سيكون كريماً معها أم سيكون بخيلاً , فإذا بدت عليه آفة البخل والشح بدأت في النفور منه , ذلك النفور الذي قد يصل إلى حد الكراهية .
7- الغيرة القاتلة:
الغيرة مطلوبة بين الزوجين وبالطبع بين المخطوبين , ولكنها كالملح للطعام له مقداره المحدد الذي يجب أن لا يزيد أو ينقص عنه ,اخرج البخاري
ومسلم من حديث أبى هريرة أن رسول الله قال: إن الله يغار وإن المؤمن يغار وإن غيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرَّم الله عليه ..البُخاري 7/45(5222) ومسلم 8/101.
لكن بعض الناس تكون غيرتهم زائدة عن الحد وتصبح غيرة مدمرة قاتلة .. نعم الفتاة لا شك تحب من خطيبها أن يغار عليها ولكنها تكره منه
الغيرة التي تصل إلى حد التجسس والشك والاتهام , فإذا ما وصل الأمر إلى ذلك استحال الاستمرار في مشروع الزواج بينها , وفي النهاية يتم الانفصال .
قال الشاعر:
ما أَحْسَنَ الغَيْرَةَ في حينِها * * * وأقبح الغَيْرَةَ في كُلِّ حِينْ
مَنْ لم يَزَلْ مُتَّهِماً عِرْسَهُ * * * مُنَاصِباً فيها لِرَيْبِ الظُّنُونْ
أَوْشَكَ أَنْ يُغْرِيهَا بالذي * * * يَخَافُ أَنْ يُبْرِزَها للعُيُونْ
حَسْبُكَ من تَحْصِينِها وَضْعُها * * * منك إِلى عِرْضٍ صَحِيحٍ
ودِينْ
لا تَطَّلِعْ مِنْكَ على رِيبَةٍ * * * فيَتْبَعَ المَقْرُونُ حَبْلَ القَرينْ
8- إفشاء الأسرار:
من الأسباب التي تؤدي إلى كراهية المخطوبة لخطيبها أن ينشر أسرار البيت الذي رحب به أهله واعتبروه واحداً منهم وقد ائتمنوه على
عرضهم وأسرارهم , ولكنه كلما دخل عندهم خرج إلى الناس يذيع أسرار البيت وينشر مشاكله , ولقد حذر النبي من ذلك تحذيراً شديداً ,
فعنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ , قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ , يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الأَمَانَةِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِى
إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِى إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا. رواه مسلم (1437). وأحمد 3/69(11678).
يقول الشاعر:
واحفظ لسانك واحترز من لفظه * * * فالمرء يسلم باللسان ويعطب
والسر فاكتمه ولا تنـطق بـه * * * فهو الأسير لديك إذ لا ينشب
واحرص على حفظ القلوب من الأذى * * * فرجوعها بعد التنافر يصعب
إن القـلوب إذا تنـافر ودهـا * * * مثل الزجاجة كسرها لا يشعب
وكـذاك سر المرء إن لم يطوه * * * نشرته ألسنة تزيد وتكذب
9- عدم التوافق :
َ التوافق بين الزوجين أمر مهم وضروري لاستمرار الحياة الزوجية , يقول ابن حزم في طوق الحمامة ص 97 : لا تجد اثنين يتحابان إلا وبينهما
مشاكلة واتفاق في الصفات الطبيعية ، لابد في هذا وإن قل ، وكلما كثرت الأشباه زادت المجانسة وتأكدت المودة ، فانظر هذا تره عياناً .
وهذا التوافق والتآلف نعمة من أجل نعم الله تعالى على العبد , يقول الله تعالى : وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ
قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) سورة الأنفال , عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ ، وَقَالَ كَثِيرٌ مَرَّةً : حَدِيثٌ رَفَعَهُ ، قَالَ:النَّاسُ
مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلاَمِ إِذَا فَقِهُوا ، وَالأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ ، مَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ ، وَمَا تَنَاكَرَ
مِنْهَا اخْتَلَفَ . أخرجه أخرجهأحمد 2/539(10969) ومسلم 6802 .
والتوافق بين الخاطب والمخطوبة من أهم الأسباب لنجاح الخطبة وانتهائها بالزواج , لكن أحياناً تتعلل بعض الفتيات بعدم وجود توافق بينها وبين
خطيبها , ربما لأسباب غير منطقية , قد تعلمها هي وحدها تحكى إحدى الفتيات فتقول : خطيبي متدين جداَ لكني أكرهه مع أنني أكتب له
في الرسائل : أحبك ولكني من داخلي أكرهه ولا أعرف لماذا وأخاف أن أتركه فيعاقبني ربي على ذلك فماذا أفعل ؟ .
وأخرى تقول : أنا فتاة عمري 24 سنة وأنا مخطوبة من 3 سنوات لابن خالي إنه متدين وأخلاقه حميدة ولكنى لا أحس تجاهه بأي مشاعر
الحب وفى ذات الوقت لا أكرهه إنه يحبني ويحاول أن يرضيني ، ولكنى لا أستطيع التفاهم معه أنا أول فتاة في حياته فليس عنده دراية كيف
يسرق قلب الفتاة فكل فتاة تحب الكلام المعسول والتلميحات الجميلة بين أي خطيبين ، فأنا اجتماعية وأحب الخروج والتعرف على الناس
والسفر والأفراح ولكنه يحب البيت جدا ولا يشاركني هذه الصفة ويراني متحررة جداً ولكن هذا ما تربيت عليه ، فانا أحب الرجل الناصح والمحب
للمغامرات والسفر وعدم التقيد بالروتين ، وهو ليس كذلك ، كما أحب الرجل الطموح ، فهو ليس طموح بالمرة ويمشى في ظل والده في
الشغل مع أنه والده ليس متعلم ، أما خطيبي فمعه شهادة عليا كما أن كل مناقشاتنا تنتهي بخلاف وعدم توافق في الرأي ، ولا يوجد حتى توافق في الذوق. فلا أعرف ماذا أفعل معه هل أكمل هذا المشوار أم لا ؟ هو طيب ويحبني ولكن؟.
تلك بعض شكاوى الفتيات في عدم وجود توافق بينها وبين خطيبها , لكن قد يكون السبب من جانبها وأنها لم تحاول أن تخلق مساحة ومسافة مشتركة يلتقيان فيها فيتفاهمان ويزيلان أسباب عدم التوافق.
10- التدخلات الخارجية :
أحياناً يكون السبب في نفور الفتاة من خطيبها ما يسمى بالتدخلات الخارجية من قبل أهلها أو أهله أو بعض الجيران أو الأصدقاء , فقد يحدث
خلاف بين هذا الخاطب وبين أحد من أهل الفتاة فيحاول التأثير عليها لتركه فيشوه صورته أمامها ويدعي عليه ما ليس فيه , ويظل يكرر ذلك
على أذن الفتاة حتى تنفر من خطيبها , وقد تنفر الفتاة منه وتكرهه بسبب أهله وتدخلهم في كل كبيرة وصغيرة ,وأنه ليس لديها القدرة على
تحمل أهله وعلى كسب ودهم ومحبتهم , وقد يكون في حياة البنت شاب آخر قد لعب برأسها وأقنعها بأن ذلك الشاب الذي خطبها لا
يستحقها ولن يحقق لها ما تطلب , أما هو فسوف يحقق لها كل ما تطلب فيظل يحرضها على تركه , وهذا لون من ألوان خطبة المرء على
خطبة أخيه والذي نهانا عنها الإسلام الحنيف , فعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ:لاَ يَبِعِ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلاَ يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إِلاَّ أَنْ يَأْذَنَ
لَهُ. وفي رواية :نَهَى النَّبِىُّ - - أَنْ يَبِيعَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ ، وَلاَ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ ، حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ ، أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ
. أَخْرَجَهُ مالك الموطأ 1490. وأحمد 2/21(4722).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ
رسُولَ اللهِ قَالَ:لاَ يَخْطُبْ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ ، وَلاَ يَسْتَمْ عَلَى سِيْمَةِ أَخِيهِ. .أخرجه أحمد 2/462(9960) ومسلم 3446 و3806 .
فهذه بعض الأسباب المنطقية والطبيعية التي تجعل الفتاة تنفر وقد تكره خطيبها , لكن في بعض الأحيان تكون هناك أسباب غير طبيعية وغير
منطقية , وتكون من قبل الفتاة نفسها , من ذلك عدم جدية الفتاة في أمر الخطبة , فقد تكون قد فرحت في بداية الأمر بأنها صارت مخطوبة
مثل مثيلاتها وأنها قد صارت أنثى تطلب ويسعى إليها الشباب , لكن حينما ترى أن الأمر يترتب عليه التزامات وأمور لم تكن في حسبانها تبدأ
في التهرب من المسؤولية وتدعي أنها أصبحت تكره خطيبها وتختلق الأسباب والأعذار الواهية لتركه .
وكذا التدليل الزائد للفتاة فبعض الفتيات قد يكون أهلها قد جنوا عليها بتدليلها تدليلاً زائدا عن الحد فلا تطيق بعد الخطبة أن يطالبها أحد بشيء
لم تعتد عليه , فإذا ما كلمها خطيبها في أمر فيه مصلحة لها , أو في شيء يحفظ عليها دينها وشرفها غضبت وزمجرت ونفرت منه , فهي تريد
أن تعيش الحياة بلا قيود ولا ضوابط , فتدعي الكراهية له تهرباً من المسؤولية .
فهذه أهم الأسباب التي تجعل الفتاة تنفر بل قد تكره خطيبها ... فما الحل إذاً ؟! .
يُتبع بإذن الله